وفي صدد تطهير الجماعة الإسلامية ، وإقامة حياتها على القيم التي جاء بها الإسلام . الرجال والنساء في هذا سواء . لأنهم في هذ المجال سواء . . يذكر الصفات التي تحقق تلك القيم في دقة وإسهاب وتفصيل :
( إن المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، والقانتين والقانتات ، والصادقين والصادقات ، والصابرين والصابرات ، والخاشعين والخاشعات ، والمتصدقين والمتصدقات ، والصائمين والصائمات ، والحافظين فروجهم والحافظات ، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . . أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . . .
وهذه الصفات الكثيرة التي جمعت في هذه الآية تتعاون في تكوين النفس المسلمة . فهي الإسلام ، والإيمان ، والقنوت ، والصدق ، والصبر ، والخشوع ، والتصدق ، والصوم ، وحفظ الفروج ، وذكر الله كثيرا . . ولكل منها قيمته في بناء الشخصية المسلمة .
والإسلام : الاستسلام ، والإيمان التصديق . وبينهما صلة وثيقة أو أن أحدهما هو الوجه الثاني للآخر . فالاستسلام إنما هو مقتضى التصديق . والتصديق الحق ينشأ عنه الاستسلام .
والقنوت : الطاعة الناشئة من الإسلام والإيمان ، عن رضى داخلي لا عن إكراه خارجي .
والصدق : هو الصفة التي يخرج من لا يتصف بها من صفوف الأمة المسلمة لقوله تعالى : ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله )فالكاذب مطرود من الصف . صف هذه الأمة الصادقة .
والصبر : هو الصفة التي لا يستطيع المسلم حمل عقيدته والقيام بتكاليفها إلا بها . وهي تحتاج إلى الصبر في كل خطوة من خطواتها . الصبر على شهوات النفس ، وعلى مشاق الدعوة ، وعلى أذى الناس . وعلى التواء النفوس وضعفها وانحرافها وتلونها . وعلى الابتلاء والامتحان والفتنة . وعلى السراء والضراء ، والصبر على كلتيهما شاق عسير .
والخشوع : صفة القلب والجوارح ، الدالة على تأثر القلب بجلال الله ، واستشعار هيبته وتقواه .
والتصدق : وهو دلالة التطهر من شح النفس ، والشعور بمرحمة الناس ، والتكافل في الجماعة المسلمة . والوفاء بحق المال . وشكر المنعم على العطاء .
والصوم : والنص يجعله صفة من الصفات إشارة إلى اطراده وانتظامه . وهو استعلاء على الضرورات ، وصبر عن الحاجات الأولية للحياة . وتقرير للإرادة ، وتوكيد لغلبة الإنسان في هذا الكائن البشري على الحيوان .
وحفظ الفرج : وما فيه من تطهر ، وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب كيان الإنسان ، وسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها إلا تقي يدركه عون الله . وتنظيم للعلاقات ، واستهداف لما هو أرفع من فورة اللحم والدم في التقاء الرجل والمرأة ، وإخضاع هذا الالتقاء لشريعة الله ، وللحكمة العليا من خلق الجنسين في عمارة الأرض وترقية الحياة .
وذكر الله كثيرا : وهو حلقة الاتصال بين نشاط الإنسان كله وعقيدته في الله . واستشعار القلب لله في كل لحظة ؛ فلا ينفصل بخاطر ولا حركة عن العروة الوثقى . وإشراق القلب ببشاشة الذكر ، الذي يسكب فيه النور والحياة .
هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات ، المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة . . هؤلاء ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . .
وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما ، بعدما خصص نساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في أول هذا الشوط من السورة . وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة ، وترقية النظرة إليها في المجتمع ، وإعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله ؛ ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة . .
الأولى- روى الترمذي عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ما أرى كل شيء إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء ! فنزلت هذه الآية : " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات " الآية . هذا حديث حسن غريب . و " المسلمين " اسم " إن " . " والمسلمات " عطف عليه . ويجوز رفعهن عند البصريين ، فأما الفراء فلا يجوز عنده إلا فيما لا يتبين فيه الإعراب .
الثانية- بدأ تعالى في هذه الآية بذكر الإسلام الذي يعم الإيمان وعمل الجوارح ، ثم ذكر الإيمان تخصيصا له وتنبيها على أنه عظم الإسلام ودعامته . والقانت : العابد المطيع . والصادق : معناه فيما عوهد عليه أن يفي به . والصابر عن الشهوات وعلى الطاعات في المكره والمنشط{[12821]} . والخاشع : الخائف لله . والمتصدق بالفرض والنفل . وقيل : بالفرض خاصة ، والأول أمدح . والصائم كذلك . " والحافظين فروجهم والحافظات " أي عما لا يحل من الزنى وغيره . وفي قوله : " والحافظات " حذف يدل عليه المتقدم ، تقديره : والحافظاتها ، فاكتفى بما تقدم . وفي " الذاكرات " أيضا مثله ، ونظيره قول الشاعر :
وكُمْتًا مُدَمَّاة كأن متونها *** جرى فوقها واستشعرت لونُ مُذْهَبِ{[12822]}
وروى سيبويه : " لون مذهب " بالنصب . وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء ، كأنه قال : واستشعرته ، فيمن رفع لونا . والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا ، وفي المضاجع وعند الانتباه من النوم . وقد تقدم هذا كله مفصلا في مواضعه ، وما يترتب عليه من الفوائد والأحكام ، فأغنى عن الإعادة{[12823]} . والحمد لله رب العالمين . قال مجاهد : لا يكون ذاكرا لله تعالى كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا . وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.