في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المنافقون مدنية وآياتها إحدى عشرة

هذه السورة التي تحمل هذا الاسم الخاص " المنافقون " الدال على موضوعها . . ليست هي السورة الوحيدة التي فيها ذكر النفاق والمنافقين ، ووصف أحوالهم ومكائدهم . فلا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين تلميحا أو تصريحا . ولكن هذه السورة تكاد تكون مقصورة على الحديث عن المنافقين ، والإشارة إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم ورويت عنهم .

وهي تتضمن حملة عنيفة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ومناوراتهم ، وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين ، ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب .

وليس في السورة عدا هذا إلا لفتة في نهايتها إلى الذين آمنوا لتحذيرهم من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين ، ولو من بعيد . وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله ، والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد ، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات .

وحركة النفاق التي بدأت بدخول الإسلام المدينة ، واستمرت إلى قرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تنقطع في أي وقت تقريبا ، وإن تغيرت مظاهرها ووسائلها بين الحين والحين . . هذه الحركة ذات أثر واضح في سيرة هذه الفترة التاريخية وفي أحداثها ؛ وقد شغلت من جهد المسلمين ووقتهم وطاقتهم قدرا كبيرا ؛ وورد ذكرها في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف مرات كثيرة تدل على ضخامة هذه الحركة ، وأثرها البالغ في حياة الدعوة في ذلك الحين .

وقد ورد عن هذه الحركة فصل جيد في كتاب : " سيرة الرسول : صور مقتبسة من القرآن الكريم " لمؤلفه الأستاذ " محمد عزة دروزة " نقتطف منه فقرات كاشفة :

" وعلة ظهور تلك الحركة في المدينة واضحة ، فالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون الأولون في مكة لم يكونوا من القوة والنفوذ في حالة تستدعي وجود فئة من الناس ترهبهم أو ترجو خيرهم ، فتتملقهم وتتزلف إليهم في الظاهر ، وتتآمر عليهم وتكيد لهم وتمكر بهم في الخفاء ، كما كان شأن المنافقين بوجه عام . ولقد كان أهل مكة وزعماؤها خاصة يناوئون النبي جهارا ، ويتناولون من استطاعوا من المسلمين بالأذى الشديد ، ويقاومون الدعوة بكل وسيلة دون ما تحرز أو تحفظ ؛ وكانت القوة لهم حتى اضطر المسلمون إلى الهجرة فرارا بدينهم ودمهم إلى الحبشة أولا ، ثم إلى يثرب ؛ وحتى فتن بعضهم عن دينه بالعنف والإكراه ، أو بالإغراء والتهويش ؛ وحتى تزلزل بعضهم وتبرم ونافق المشركين ، وحتى مات بعض من ناله الأذى ممن ثبت على دينه نتيجة للتعذيب . . .

" أما في المدينة فقد كان الأمر مختلفا جدا . فالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] استطاع قبل أن يهاجر إليها أن يكسب أنصارا أقوياء من الأوس والخزرج ؛ ولم يهاجر إلا بعد أن استوثق من موقفه ، ولم يبق تقريبا بيت عربي فيها لم يدخله الإسلام . ففي هذه الحالة لم يكن من الهين أن يقف الذين لم يؤمنوا به - إما عن جهالة وغباء ، وإما عن غيظ وحقد وعناد ، لأنهم رأوا في قدوم النبي حدا لنفوذهم وسلطانهم - موقف الجحود والعداء العلني للنبي والمسلمين من المهاجرين والأنصار ؛ وكان للعصبية في الوقت نفسه أثر غير قليل في عدم الوقوف هذا الموقف ، لأن سواد الأوس والخزرج أصبحوا أنصار النبي ، ومرتبطين به بمواثيق الدفاع والنصر ، إلى أن جلهم قد حسن إسلامهم ، وغدوا يرون في النبي رسول الله ، وقائدهم الأعلى الواجب الطاعة ، ومرشدهم الأعظم الواجب الاتباع ، فلم يكن يسع الذين ظلت تغلبهم نزعة الشرك ، ويتحكم فيهم مرض القلب والمكابرة والحقد ، ويحملهم ذلك على مناوأة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ودعوته ونفوذه - أن يظهروا علنا في نزعتهم وعدائهم ، ولم يكن أمامهم إلا التظاهر بالإسلام ، والقيام بأركانه ، والتضامن مع قبائلهم . وجعل مكرهم وكيدهم ودسهم ومؤامراتهم بأسلوب المراوغة والخداع والتمويه ، وإذا كانوا وقفوا أحيانا مواقف علنية فيها كيد ودس ، وعليها طابع من النفاق بارز ، فإنما كان هذا منهم في بعض الظروف والأزمات الحادة التي كانت تحدق بالنبي والمسلمين ، والتي كانوا يتخذونها حجة لتلك المواقف بداعي المصلحة والمنطق والاحتياط ؛ ولم يكونوا على كل حال يعترفون بالكفر أو النفاق ، غير أن نفاقهم وكفرهم ومواقفهم في الكيد والدس والتآمر لم تكن لتخفى على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] والمخلصين من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، كما أن المواقف العلنية التي كانوا يقفونها في فرص الأزمات كانت مما تزيد كفرهم ونفاقهم فضيحة ومقتا . وقد كانت الآيات القرآنية توجه إليهم كذلك الفضائح المرة بعد المرة ، وتدل عليهم بما يفعلون أو يمكرون ، وتدمغهم بشرورهم وخبثهم ومكايدهم ، وتحذر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمين منهم في كل ظرف ومناسبة .

" ولقد كانت مواقف المنافقين ومكايدهم بعيدة المدى والأثر على ما تلهم الآيات المدنية ، حتى لكأنه نضال قوي ، يذكر بما كان من نضال بين النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وزعماء مكة ، وإن اختلفت الأدوار والنتائج ؛ إذ أن النبي لم يلبث أن أخذ مركزه يتوطد وقوته تزداد ، ودائرة الإسلام تتسع ، وصار صاحب سلطان وأمر نافذ وجانب عزيز ؛ وإذ لم يكن المنافقون كتلة متضامنة ذات شخصية خاصة بارزة ، وكان ضعفهم وضآلة عددهم وشأنهم يسيران سيرا متناسبا عكسيا مع ما كان من تزايد قوة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] واتساع دائرة الإسلام ، وتوطد عزته وسلطانه " .

[ ويكفيك لأجل أن تشعر بخطورة الدور الذي قام به المنافقون ، وخاصة في أوائل العهد ، أن تلاحظ أن المنافقين كانوا أقوياء نسبيا بعصبياتهم التي كانت ما تزال قوية الأثر في نفوس سواد قبائلهم ، كما أنهم لم يكونوا مفضوحين فضيحة تامة ، ولم يكن الإسلام قد رسخ في هذا السواد رسوخا كافيا ؛ وأن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان محوطا بالمشركين الجاحدين من كل جانب ، وأهل مكة خصومه الألداء ، وهم قبلة الجزيرة يتربصون به الدوائر ، ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه ؛ واليهود في المدينة وحولها قد تنكروا له منذ عهد مبكر وتطيروا به ، ثم جاهروه بالكفر والعداء والمكر ؛ ولم يلبث أن انعقد بينهم وبين المنافقين حلف طبيعي على توحيد المسعى ، والتضامن في موقف المعارضة والكيد ، حتى ليمكن القول : إن المنافقين لم يقووا ويثبتوا ويكن منهم ذلك الأذى الشديد والاستمرار في الكيد والدس إلا بسبب ما لقوه من اليهود من تعضيد ، وما انعقد بينهم من تضامن وتواثق ، ولم يضعف شأنهم ويخف خطرهم إلا بعد أن مكن الله للنبي من هؤلاء وأظهره عليهم ، وكفاه شرهم ] .

وهذه السورة تبدأ بوصف طريقتهم في مداراة ما في قلوبهم من الكفر ، وإعلانهم الإسلام والشهادة بأن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هو رسول الله . وحلفهم كذبا ليصدقهم المسلمون ، واتخاذهم هذه الأيمان وقاية وجنة يخفون وراءها حقيقة أمرهم ، ويخدعون المسلمين فيهم :

( إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله - والله يعلم إنك لرسوله - والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ، إنهم ساء ما كانوا يعملون ) . .

فهم كانوا يجيئون إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيشهدون بين يديه برسالته شهادة باللسان ، لا يقصدون بها وجه الحق ، إنما يقولونها للتقية ، وليخفوا أمرهم وحقيقتهم على المسلمين . فهم كاذبون في أنهم جاءوا ليشهدوا هذه الشهادة ، فقد جاءوا ليخدعوا المسلمين بها ، ويداروا أنفسهم بقولها . ومن ثم يكذبهم الله في شهادتهم بعد التحفظ الذي يثبت حقيقة الرسالة : ( والله يعلم إنك لرسوله ) . . ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) .

والتعبير من الدقة والاحتياط بصورة تثير الانتباه . فهو يبادر بتثبيت الرسالة قبل تكذيب مقالة المنافقين . ولولا هذا التحفظ لأوهم ظاهر العبارة تكذيب المنافقين في موضوع شهادتهم وهو الرسالة . وليس هذا هو المقصود . إنما المقصود تكذيب إقرارهم فهم لا يقرون الرسالة حقا ولا يشهدون بها خالصي الضمير !

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " اسم من تحقق به صدق في أقواله ، ثم صدق في أعماله ، ثم صدق في أخلاقه ثم صدق في أحواله ، ثم صدق في أنفاسه . . فصدقه في القول ألا يقول إلا عن برهان ، وصدقه في العمل ألا يكون للبدعة عليه سلطان ، وصدقه في الأخلاق ألا يلاحظ إحسانه مع الكافة بعين النقصان ، وصدقه في الأحوال أن يكون على كشف وبيان ، وصدقه في الأنفاس ألا يتنفس إلا على وجود كالعيان .

قوله جل ذكره : { إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } .

كذَّبهم فيما قالوا وأظهروا ، ولكنهم لم يشهدوا عن بصيرة ولم يعتقدوا تصديقك ، فهم لم يكذبوا في الشهادة ولكنَّ كِذْبَهم في قولهم : إنَّهم مخلصون لك ، مُصَدِّقون لك . فصِدْقُ القالة لا ينفع مع قُبْح الحالة .

ويقال : الإيمان ما يوجِبُ الأمان ؛ فالإيمانُ يوجِبُ للمؤمن إذا كان عاصياً خلاصَه من العذاب أكثره وأقّله . . إلاَّ ما ينقله من أعلى جهنم إلى أسفلها .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المنافقون

مدنية وعدد آياتها إحدى عشرة آية بلا خلاف ووجه اتصالها أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون ولهذا أخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين وقال أبو حيان في ذلك : إنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلا عن المنافقين واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة إذ كان الوقت وقت مجاعة جاء ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان وأتبع بقبائح أفعالهم وأقوالهم والأول أولى .

{ إِذَا جَاءكَ المنافقون } أي حضروا مجلسك ، والمراد بهم عبد الله بن أبي وأصحابه { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله } التأكيد بأن واللام للازم فائدة الخبر وهو علمهم بهذا الخبر المشهود به فيفيد تأكيد الشهادة ، ويدل على ادعائهم فيها المواطأة وإن كانت في نفسها تقع على الحق والزور والتأكيد في قوله تعالى : { والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } لمزيد الاعتناء حقيقة بشأن الخبر ، أو ليس إلا ليوافق صنيعهم ، وجيء بالجملة اعتراضاً لإماطة ما عسى أن يتوهم من قوله عز وجل :

{ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون } من رجوع التكذيب إلى نفس الخبر المشهود به من أول الأمر ، وذكر الطيبي أن هذا نوع من التتميم لطيف المسلك ، ونظيره قول أبي الطيب

: وتحتقر الدنيا احتقار مجرب *** ترى كل ما فيها وحاشاك فانياً

فالتكذيب راجع إلى { نَشْهَدُ } باعتبار الخبر الضمني الذي دل عليه التأكيد وهو دعوى المواطأة في الشهادة أي والله يشهد إنهم لكاذبون فيما ضمنوه قولهم : { نَشْهَدُ } من دعوى المواطأة وتوافق اللسان والقلب في هذه الشهادة ، وقد يقال : الشهادة خبر خاص وهو ما وافق فيه اللسان القلب ، وأما شهادة الزور فتجوز كإطلاق البيع على غير الصحيح فهم كاذبون في قولهم : { نَشْهَدُ } المتفرع على تسمية قولهم ذلك شهادة ، وهو مراد من قال : أي لكاذبون في تسميتهم ذلك شهادة فلا تغفل .

وعلى هذا لا يحتاج في تحقق كذبهم إلى ادعائهم المواطأة ضمناً لأن اللفظ موضوع للمواطئ ، وجوز أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ الله } باعتبار لازم فائدة الخبر وهو بمعنى رجوعه إلى الخبر الضمني . وأن يكون راجعاً إليه باعتبار ما عندهم أي لكاذبون في قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ الله } عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أنه كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه ، قيل : وعلى هذا الكذب هو الشرعي اللاحق به الذم ألا ترى أن المجتهدين لا ينسبون إلى الكذب وإن نسبوا إلى الخطأ .

وجوز العلامة الثاني أن يكون التكذيب راجعاً إلى حلف المنافقين ، وزعموا أنهم لم يقولوا { لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ حتى يَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِهِمْ وَلَئِنِ رَّجَعْنَا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الاعز مِنْهَا الاذل } لما ذكر في صحيح البخاري عن زيد بن أرقم أنه قال : كنت في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت عبد الله بن أبيّ بن سلول يقول : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكره لنبي الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدّثته فأرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عبد الله بن أبي . وأصحابه فخلفوا أنهم ما قالوا : فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في البيت فقال لي عمي : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك فأنزل الله { إِذَا جَاءكَ المنافقون } فبعث إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال : «إن الله صدقك يا زيد » .

وجوز بعض الأفاضل أن يكون المعنى إن المنافقين شأنهم الكذب وإن صدقوا في هذا الخبر ، وأياً مّا كان فلا يتم للنظام الاستدلال بالآية على أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان ذلك الاعتقاد خطأ وكذبه عدمها ، وإظهار المنافقين في موقع الإضمار لذمهم والإشعار بعلة الحكم والكلام في { إِذَا } على نحو ما مر آنفاً } .