في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

21

( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ? فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله . أولئك في ضلال مبين . الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ؛ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ؛ ومن يضلل الله فما له من هاد ) . .

وكما ينزل الماء من السماء فينبت لهم به زرعاً مختلفاً ألوانه كذلك ينزل من السماء ذكراً تتلقاه القلوب الحية ؛ فتتفتح وتنشرح وتتحرك حركة الحياة ، وتتلقاه القلوب القاسية كما تتلقاه الصخرة القاسية التي لا حياة فيها ولا نداوة !

والله يشرح للإسلام قلوباً يعلم منها الخير ، ويصلها بنوره فتشرق به وتستضيء . والفرق بين هذه القلوب وقلوب أخرى قاسية فرق بعيد . ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) . .

( أولئك في ضلال مبين ) . .

وهذه الآية تصور حقيقة القلوب التي تتلقى الإسلام فتنشرح له وتندى به . وتصور حالها مع الله . حال الانشراح والتفتح والنداوة والبشاشة ، والإشراق والاستنارة . كما تصور حقيقة القلوب الأخرى في قساوتها وغلظتها وموتها وجفافها ، وعتمتها وظلامها . ومن يشرح الله صدره للإسلام ويمد له من نوره ، ليس قطعاً كالقاسية قلوبهم من ذكر الله . وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

قوله جل ذكره : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } :

جوابُ هذا الخطابِ محذوفٌ . . . أي أَفمن شرح اللَّهُ صَدْرَه للإسلام كمن ليس كذلك ؟

لمَّا نزلت هذه الآيةُ سُئِلَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - عن الشرح المذكور فيها ، فقال : " ذلك نورٌ يُقْذَفُ في القلب " فقيل : وهل لذلك أَمارة ؟ قال : " نعم ؛ التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله " .

والنورُ الذي مِنْ قِبَلِهِ - سبحانه - نورُ اللّوائح بنجوم العلم ، ثم نورُ اللوامع ببيان الفَهْم ، ثم نورُ المحاضرة بزوائد اليقين ، ثم نورُ المكاشفة بتَجلي الصفات ، ثم نور المشاهدة بظهور الذات ، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد . . . وعند ذلك فلا وَجْدَ ولا فقد ، ولا قُرْب ولا بُعْدَ . . . كلاّ بل هو الله الواحد القهار .

{ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكِّرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } : أي الصلبة قلوبهم ، لم تقرعها خواطرُ التعريف فبقيت عَلَى نَكْرَةِ الجَحْد . . . أُولئك في الضلالة الباقية ، والجهالة الدائمة .