ثم تأخذ الريشة المعجزة في رسم سمات هذا النموذج :
( أشحة عليكم )ففي نفوسهم كزازة على المسلمين . كزازة بالجهد وكزازة بالمال ، وكزازة في العواطف والمشاعر على السواء .
( فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) . .
وهي صورة شاخصة ، واضحة الملامح ، متحركة الجوارح ، وهي في الوقت ذاته مضحكة ، تثير السخرية من هذا الصنف الجبان ، الذين تنطق أوصاله وجوارحه في لحظة الخوف بالجبن المرتعش الخوار !
وأشد إثارة للسخرية صورتهم بعد أن يذهب الخوف ويجيء الأمن :
( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ) . .
فخرجوا من الجحور ، وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش ، وانتفخت أوداجهم بالعظمة ، ونفشوا بعد الانزواء ، وادعوا في غير حياء ، ما شاء لهم الادعاء ، من البلاء في القتال والفضل في الأعمال ، والشجاعة والاستبسال . .
ثم هم : ( أشحة على الخير ) . .
فلا يبذلون للخير شيئا من طاقتهم وجهدهم وأموالهم وأنفسهم ؛ مع كل ذلك الادعاد العريض وكل ذلك التبجح وطول اللسان !
وهذا النموذج من الناس لا ينقطع في جيل ولا في قبيل . فهو موجود دائما . وهو شجاع فصيح بارز حيثما كان هناك أمن ورخاء . وهو جبان صامت منزو حيثما كان هناك شدة وخوف . وهو شحيح بخيل على الخير وأهل الخير ، لا ينالهم منهم إلا سلاطة اللسان !
( أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ) . .
فهذه هي العلة الأولى . العلة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشة الإيمان ، ولم تهتد بنوره ، ولم تسلك منهجه . ( فأحبط الله أعمالهم ) . . ولم ينجحوا لأن عنصر النجاح الأصيل ليس هناك .
{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } بأبدانهم عند القتال ، وبأموالهم عند النفقة فيه ، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم . { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } نظر المغشى عليه { مِنَ الْمَوْتِ } من شدة الجبن ، الذي خلع قلوبهم ، والقلق الذي أذهلهم ، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون ، من القتال .
{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ } وصاروا في حال الأمن والطمأنينة ، { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة } أي : خاطبوكم ، وتكلموا معكم ، بكلام حديد ، ودعاوى غير صحيحة .
وحين تسمعهم ، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام ، { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } الذي يراد منهم ، وهذا شر ما في الإنسان ، أن يكون شحيحًا بما أمر به ، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه ، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء اللّه ، أو يدعو إلى سبيل اللّه ، شحيحًا بجاهه ، شحيحًا بعلمه ، ونصيحته ورأيه .
{ أُولَئِكَ } الذين بتلك الحالة { لَمْ يُؤْمِنُوا } بسبب عدم إيمانهم ، أحبط الله أعمالهم ، { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا }
وأما المؤمنون ، فقد وقاهم اللّه ، شح أنفسهم ، ووفقهم لبذل ما أمروا به ، من بذل لأبدانهم في القتال في سبيله ، وإعلاء كلمته ، وأموالهم ، للنفقة في طرق الخير ، وجاههم وعلمهم .
قوله تعالى : " أشحة عليكم " أي بخلاء عليكم ، أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل الله . قاله مجاهد وقتادة . وقيل : بالقتال معكم . وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم . وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها . قاله السدي . وانتصب على الحال . قال الزجاج : ونصبه عند الفراء من أربع جهات : إحداها : أن يكون على الذم ، ويجوز أن يكون عنده نصبا بمعنى يعوقون أشحة . ويجوز أن يكون التقدير : والقائلين أشحة . ويجوز عنده [ " ولا يأتون البأس إلا قليلا " أشحة ، أي أنهم يأتونه أشحة على الفقراء بالغنيمة ]{[12776]} . النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه " المعوقين " ولا " القائلين " ؛ لئلا يفرق بين الصلة والموصول . ابن الأنباري : " إلا قليلا " غير تام ؛ لأن " أشحة " متعلق بالأول ، فهو ينتصب من أربعة أوجه : أحدها : أن تنصبه على القطع من " المعوقين " كأنه قال : قد يعلم الله الذين يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين . ويجوز أن يكون منصوبا على القطع من " القائلين " أي وهم أشحة . ويجوز أن تنصبه على القطع مما في " يأتون " ، كأنه قال : ولا يأتون البأس إلا جبناء بخلاء . ويجوز أن تنصب " أشحة " على الذم . فمن هذا الوجه الرابع يحسن أن تقف على قوله : " إلا قليلا " . " أشحة عليكم " وقف حسن . ومثله " أشحة على الخير " حال من المضمر في " سلقوكم " وهو العامل فيه . " فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " وصفهم بالجبن ، وكذا سبيل الجبان ينظر يمينا وشمالا محددا بصره ، وربما غشي عليه . وفي " الخوف " وجهان : أحدهما : من قتال العدو إذا أقبل . قاله السدي . الثاني : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب . قاله ابن شجرة . " رأيتهم ينظرون إليك " خوفا من القتال على القول الأول . ومن النبّي صلى الله عليه وسلم على الثاني . " تدور أعينهم " لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة . وقيل : لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة . " فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد " وحكى الفراء " صلقوكم " بالصاد . وخطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا . وأصل الصلق الصوت ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة ) . قال الأعشى :
فيهم المجد والسماحة والنج *** دة فيهم والخاطب السَّلاق{[12777]}
قال قتادة : ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة ، يقولون : أعطنا أعطنا ، فإنا قد شهدنا معكم . فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم . قال النحاس : هذا قول حسن ؛ لأن بعده " أشحة على الخير " {[12778]} وقيل : المعنى بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم . وقال القتبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد السلق : الأذى . ومنه قول الشاعر :
ولقد سلقنا هوازنا *** بِنَواهلٍ حتى انحنينا
" أشحة على الخير " أي على الغنيمة . قاله يحيى بن سلام . وقيل : على المال أن ينفقوه في سبيل الله . قاله السّدي . " أولئك لم يؤمنوا " يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان ، والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر{[12779]} . " فأحبط الله أعمالهم " أي لم يثبتهم عليها ، إذا لم يقصدوا وجه الله تعالى بها . " وكان ذلك على الله يسيرا " يحتمل وجهين : أحدهما : وكان نفاقهم على الله هينا . الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هينا .
ولما كانوا يوجهون لكل من أفعالهم هذه وجهاً صالحاً ، بين فساد قصدهم بقوله ذاماً غاية الذم بالتعبير بلفظ الشح الذي هو التناهي في البخل ، فهو بخل بما في اليد وأمر للغيب بالبخل فهو بخل {[55276]}إلى بخل{[55277]} خبيث قذر متمادى فيه مسارع إليه { أشحة } أي يفعلون ما تقدم والحال أن{[55278]} كلاً منهم شحيح { عليكم } أي بحصول نفع منهم أو من غيرهم بنفس أو مال .
ولما كان التقدير : في حال الأمن ، أتبعه بيان حالهم في الخوف فقال : { فإذا جاء الخوف } أي لمجيء أسبابه من الحرب ومقدماتها { رأيتهم } أي أيها المخاطب { وينظرون } وبين بعدهم حساً ومعنى بحرف الغاية فقال : { إليك } أي حال كونهم { تدور } يميناً وشمالاً بإدارة الطرف { أعينهم } أي زائغة{[55279]} رعباً وخوراً ، تم شبهها في سرعة تقلبها لغير قصد صحيح فقال : { كالذي } أي كدوران عين الذي ، وبين شدة العناية بتصوير{[55280]} ذلك بجعل المفعول عمدة ببناء الفعل له فقال : { يغشى عليه } مبتدئاً غشيانه { من الموت } سنة الله في أن كل من عامل الناس بالخداع ، كان قليل الثبات عند القراع{[55281]} ؛ ثم ذكر خاصة أخرى لبيان جبنهم فقال : { فإذا ذهب الخوف{[55282]} } أي بذهاب أسبابه { سلقوكم } أي تناولوكم تناولاً صعباً جرأة ووقاحة ، ناسين ما وقع منهم عن قرب من الجبن والخور{[55283]} { بألسنة حداد } ذربة قاطعة فصيحة بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللجلجة{[55284]} لا تقدر على الحركة من قلة الريق ويبس الشفاه ، وهذا لطلب{[55285]} العرض الفاني من الغنيمة أو غيرها ؛ ثم بين المراد بقوله : { أشحة } أي شحاً مستعلياً { على الخير } أي المال الذي عندهم ، وفي اعتقادهم أنه لا خير غيره ، شحاً لا يريدون أن يصل شيء منه {[55286]}إليكم ولا يفوتهم{[55287]} شيء منه ، وهذه سنة{[55288]} أخرى في أن من كان صلباً في الرخاء كان رخواً حال الشدة وعند اللقاء ، وإنما فسرت الشح بهذا لأن مادته بترتيبها تدور على الجمع الذي انتهى فأشرف على الفساد{[55289]} ، من الحشيش والمحشة ، وهي الدبر ، فهو جمع يتبعه في الأغلب نكد وأذى ، ومن لوازم مطلق الجمع القوة فتتبعها الصلابة ، فربما نشأت القساوة ، وربما نشأت{[55290]} عن الجمع الفرقة فلزمتها الرخاوة ، فمن الجمع النكد الشح وهو البخل والحرص ، وشح النفس حرصها على ما ملكت ، قال القزاز : وجمع الشحيح في أقل العدد أشحة ، ولم أسمع غيره ، وحكى أبو يوسف : أشحاء - بالمد في الكثير ، والرجلان يتشاحان عن الأمر - إذا كان كل{[55291]} منهما يريد أن{[55292]} لا يفوته ، وزند شحاح : لا يورى ، وماء شحاح : نكد غير غمر - لأنه اشتد اجتماعه في مكانه ، واشتدت أرضه باجتماع أجزائها فصلبت جداً فضنت به .
وأرض شحاح : صلبة ، قال القزاز : وبه شبه الزند ، والشحشاح : الحاد والسيىء الخلق والماضي في كلام أو سير ، والمواظب على الشيء ، لأن ذلك من لوازم الحدة الناشئة عن القوة الناشئة عن الجمع ، ومن هنا قيل للخطيب البليغ والشجاع والغيور : {[55293]}شحشح وشحشاح ، والشحشح{[55294]} من الغربان : الكثير الصوت ، ومن الحمير : الخفيف ، ومن القطا : {[55295]}السريعة ، والشحشاح{[55296]} : الطويل - كأنه جمع طولين ، وشحشح البعير في الهدير - إذا لم يخلصه ، كأنه جمع{[55297]} إلى الهدير ما ليس بهدير ، والشحشحة : صوت الصرد - لكثرة اتصالها ، فهي ترجع إلى الحدة التي ترجع إلى القوة الناشئة عن الجمع ، وترديد البعير في الهدير والطيران السريع والحذر ، فإنه يدل على اجتماع القلب وثقوب الذهن ، وامرأة شحشاح - كأنها رجل في قوتها ، والمشحشح - {[55298]}كالمسلسل : القليل الخير ، وإبل شحائح : قليلة الدر ، وذلك من الجمع والصلابة الناشئة عن القساوة والنكد ، {[55299]}والشحيح من الأرض ما يسيل من أدنى مطر ، لصلابتها وشدة اجتماع بعضها إلى{[55300]} بعض ، والشحشح أيضاً من الأرض ما لا يسيل إلا من مطر كثير ضد الأول ، وذلك ناظر إلى جمعها للمطر لغوره{[55301]} فيها لما في أجزائها من التفرق الذي تقدم أنه من لوازم الجمع ، ومن مطلق الجمع : الفلاة الواسعة - لأنها جامعة لما يراد جمعه ، والشحاح : شعاب صغار تدفع الماء إلى الوادي ، فهي بمدها جامعة ، وبكونها صغاراً نكدة ومجتمعة في نفسها ، ومن الجمع : الحشيش ، وهو اليابس من العشب ، وأصله ما جمع منه .
والمحش{[55302]} : الموضع{[55303]} الكثير الحشيش والخير ، لأن الجمع ربما نشأ عنه رفق ، وكثرة الحشيش يلزمها الرفق بعلفه للدواب ، ويكون أرضه طيبة ، ومنه{[55304]} حش الحشيش : قطعه ، وفلاناً : أصلح من حاله ، والمال : كثره ، وزيداً بعيراً أو ببعير : أعطاه إياه ، والحش - بالفتح : المخرج ، والمحشة : الدبر ، والحش : البستان ذو النخل المجتمع ، سمى الخلاء به لأن العرب كانت تقضي الحاجة فيه ، وحش طلحة وحش كوكب : موضعان بالمدينة ، وحش{[55305]} الولد في البطن : يبس ، وأحشت المرأة فهي محش - إذا يبس الولد في جوفها ، والحش - بالضم : الولد الهالك في البطن ، وحششت{[55306]} الفرس : جمعت له الحشيش ، وأحششت الرجل : أعنته على جمع الحشيش ، والحشاش : الجوالق فيه الحشيش{[55307]} ، وأحش الكلأ : أمكن لأن يُحَش ، والمستحشة من النوق التي دقت أوظفتها{[55308]} ، أي ما فوق رسغها إلى ساقها ، وذلك من عظمها وكثرة شحمها ، واستحش الغصن : طال - كأنه جمع طولين ، أو صار بحيث يجمع ورقاً كثيراً ، واستحش ساعدها كفها أي{[55309]} عظم حتى صغرت الكف عنده ، وألق الحش بالإش أي الشيء بالشيء ، وحش الودي من النخل{[55310]} : يبس ، ومن الجمع : حش الصيد : جمعه من جانبيه ، والفرس : ألقى له حشيشاً ، قال القزاز : وهو يبس الكلأ ، وأصله ما جمع ، ومنه : أحشك وتروثني{[55311]} - يضرب لمن أساء إلى من أحسن إليه ، ومرت الإبل تحش الأرض . أي تجمع الحشيش ، وقيل : هو من سرعة مرها ، وفيه مع كثرة الجمع للخطى بتقاربها معنى الحدة ، ومنه حش الفرس : أسرع ، ومن الإشراف على الفساد : الحش - بالفتح وهو النخل الناقص القصير ليس بمسقي ولا معمور ، والحشاشة : رمق النفس ، يقال : ما بقي من فلان إلا حشاشة أي رمق يسير يحيي به ، وعبارة القاموس ، والحشاش والحشاشة ، بقية الروح في المريض والجريح ، فهذا بين في الإشراف على الفساد كما تقدم ، وهو أيضاً من الفرقة التي قد تلزم الجمع ومنه تحشحشوا أي تفرقوا ، ومنه قلة الاستحشاش{[55312]} ، وهو قلة القوم ، ومن الحدة الناشئة عن القوة الناشئة : عن الجمع حششت النار أي أوقدتها وجمعت الحطب إليها ، وكل ما قوي{[55313]} بشيء فقد حش به ، والمحش : حديدة يوقد بها النار أي تحرك ، والشجاع ، قال القزاز ، وهو محش حرب - إذا كان يسعرها بشجاعته ، وحش فلان الحرب - إذا هيجها ، ومنه تحشحشوا{[55314]} أي تحركوا ، ومن مطلق الحدة : أحششته عن حاجته{[55315]} : أعجلته عنها ، ومن الجمع والقوة : حش سهمه بالقذذ - إذا راشه فألزقها من نواحيه ، وحشاشاك أن تفعل كذا أي قصاراك أي نهاية جمعك {[55316]}لكل ما تقوى به{[55317]} ، وحشاشا كل شيء : جانباه ، والحشة - بالضم : القبة{[55318]} العظيمة ، لكثرة جمعها وقوة تراصّها .
ولما وصفهم سبحانه بهذه الدنايا .
أخبر بأن أساسها وأصلها الذي نشأت عنه{[55319]} عدم الوثوق بالله لعدم الإيمان فقال : { أولئك } أي البغضاء البعداء الذين محط أمرهم الدنيا { ولم يؤمنوا } أي لم يوجد منهم إيمان بقلوبهم وإن أقرت به ألسنتهم .
ولما كان العمل لا يصح بدون الإيمان ، سبب عن ذلك قوله : { فأحبط الله } أي بجلاله وتفرده في{[55320]} كبريائه وكماله { أعمالهم } أي أبطل أرواحها ، فصارت أجساداً لا أرواح لها ، فلا نفع لهم بشيء منها لأنها كانت في الدنيا صوراً مجردة عن الأرواح التي هي القصود الصالحة ، فإنهم لا قصد لهم بها إلا التوصل إلى الأعراض الدنيوية ، وهذا إعلام بأن من كانت الدنيا أكبر همه فهو غير مؤمن ، وأنه يكون خواراً{[55321]} عند الهزاهز ، ميالاً إلى دنايا الشجايا والغرائز .
ولما كان من عمل عملاً لم يقدر غيره وإن كان أعظم منه أن يبطل نفعه به إلا بسعر شديد ، قال تعالى : { وكان ذلك } أي الإحباط العظيم مع ما لهم من الجرأة في الطلب والإلحاف عند السؤال{[55322]} وقلة الأدب { على الله } بما له من صفات العظمة التي تخشع لها الأصوات ، وتخرس الألسن الذربات { يسيراً * } لأنه لا نفع إلا منه{[55323]} وهو الواحد القهار ، وأما غيره فإنما عسر عليه ذلك ، لأن النفع من غيره - وإن كان منه حقيقة{[55324]} - قهره غيره بالشفاعات ووجود{[55325]} النكد أو غيرها عليه ،