فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } أي بخلاء عليكم لا يعاونوكم بحفر الخندق ، ولا بالنفقة في سبيل الله ، قاله مجاهد وقتادة . وقيل : أشحة بالقتال معكم . وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم . وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها . قاله السديّ . وانتصابه على الحال من فاعل { يأتون } . أو من { المعوقين } . وقال الفراء : يجوز في نصبه أربعة أوجه : منها النصب على الذم ، ومنها بتقدير فعل محذوف ، أي يأتونه أشحة . قال النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه للمعوقين ولا القائلين ؛ لئلا يفرق بين الصلة والموصول .

{ فَإِذَا جَاء الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } أي تدور يميناً وشمالا ، ً وذلك سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه { كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت } أي كعين الذي يغشى عليه من الموت ، وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه ، فيذهل ويذهب عقله ، ويشخص بصره فلا يطرف ، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف ، ويقال للميت إذا شخص بصره : دارت عيناه ، ودارت حماليق عينيه ، والكاف نعت مصدر محذوف { فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } يقال : سلق فلان فلاناً بلسانه : إذا أغلظ له في القول مجاهراً . قال الفراء : أي : آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة . ويقال : خطيب مسلاق ومصلاق : إذا كان بليغاً ، ومنه قول الأعشى :

فيهم المجد والسماحة والنج *** دة فيهم والخاطب السلاق

قال القتيبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد ، والسلق الأذى ، ومنه قول الشاعر :

ولقد سلقت هوازنا *** بنو أهل حتى انحنينا

قال قتادة : معنى الآية : بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون : أعطنا فإنا قد شهدنا معكم . فعند الغنيمة أشحّ قوم وأبسطهم لساناً ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم . قال النحاس : وهذا قول حسن ، وانتصاب { أَشِحَّةً عَلَى الخير } على الحالية من فاعل { سلقوكم } ، ويجوز أن يكون نصبه على الذمّ .

وقرأ ابن أبي عبلة برفع { أشحة } ، والمراد هنا : أنهم أشحة على الغنيمة يشاحون المسلمين عند القسمة ، قاله يحيى بن سلام . وقيل : على المال أن ينفقوه في سبيل الله . قاله السديّ . ويمكن أن يقال معناه : أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه ، والإشارة بقوله : { أولئك } إلى الموصوفين بتلك الصفات { لَمْ يُؤْمِنُواْ } إيماناً خالصاً بل هم منافقون ، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر { فَأَحْبَطَ الله أعمالهم } أي أبطلها بمعنى أظهر بطلانها لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضي الثواب حتى يبطلها الله . قال مقاتل : أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان { وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً } أي وكان ذلك الإحباط لأعمالهم ، أو كان نفاقهم على الله هيناً .

/خ25