اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

قوله : «أَشِحَّةً » العامة على نصبه وفيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب على الشَّتْمِ{[43282]} .

والثاني : على الحال وفي العامل فيه أوجه :

أحدها : «وَلاَ يَأْتُونَ » قاله الزجاج{[43283]} .

الثاني : «هَلُمَّ إِلَيْنَا » . قاله الطبري{[43284]} .

الثالث : «يعوقون » مضمراً ، قاله الفراء{[43285]} .

الرابع : «المُعَوِّقِينَ »{[43286]} .

الخامس : «القَائِلِينَ »{[43287]} ورد هذان الوجهان الأخيران بأن فيهما الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي ، وفي الرد نظر لأن الفاصل بين أبعاض الصلة من متعلقاتها ، وإنما يظهر الرد على الوجه الرابع لأنه قد عطف على الموصول{[43288]} قبل تمام صلته فتأمله فإنه حسن وأما «وَلاَ يَأْتُونَ » فمُعْتَرِضٌ والمُعْتَرِضُ لا يمنع من{[43289]} ذلك . وقرأ ابن أبي عبلة أَشِحَّةٌ{[43290]} بالرفع على خبر ابتداء مضمر أي هم أشحة وأشحة جمع «شَحِيحٍ » وهو جمع لا ينقاس ؛ إذ قياس «فَعِيل » الوصف الذي عينه ولامه من واد{[43291]} واحد أن يجمع على أفعلاء نحو خَلِيلٍ وأَخِلاَّء وَظنِينٍ وأَظِنَّاء ، وضَنين وأَضِنَّاء ، وقد سمع أشِحَّاء وهو القياس{[43292]} .

والشُّحُّ البخل ، وقد تقدم في آل عمران{[43293]} .

فصل :

المعنى أشحة عليكم بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة ، وقال قتادة{[43294]} بخلاء عند الغنيمة وصفهم الله بالبخل والجبن فقال : { فَإِذَا جَاءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } في الرؤوس من الخوف والجبن { كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت } أي كَدَوَرَانِ عين الذين يغشى عليه من الموت وذلك أن من قَرُبَ من الموت وغَشِيَتْهُ أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرِفُ ، واعلم أن البخل شبيه الجبن فلما ذكر البخيل بين سببه وهو الجبن لأن الجبان يبخل بماله ولا ينفقه في سبيل الله لأنه لا يتوقع الظفر فلا يرجو الغنيمة فيقول هذا إنفاق لا بدل{[43295]} له فيتوقف فيه ، وأما الشجاع فيتيقن{[43296]} الظفر والاغتنام فيهون عليه إخراج المال في القتال طمعاً فيما هو أضعاف ذلك{[43297]} .

قوله : «يَنْظُرُونَ » في محل ( نصب{[43298]} ) حال من مفعول «رَأَيْتَهُمْ » لأن الرؤية بصرية{[43299]} .

قوله : «تدور » إما حال{[43300]} ثانية وإما حال من «يَنْظُرُونَ »{[43301]} «كالَّذِي يُغْشَى » يجوز فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون حالاً من : «أَعْينهم » أي تدور أعينهم حال كونها مشبهة عين الذي يغشى عليه من الموت{[43302]} .

الثاني : أنه نعت مصدر مقدر لقوله «ينظرون » تقديره : ينظرون إليك نظراً مثلَ نظرِ الذي{[43303]} يغشى عليه من الموت ويؤيده{[43304]} الآية الأخرى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت } [ محمد : 20 ] المعنى يحسبون أي هؤلاء المنافِقُونَ يحسبون الأحزاب يعني قريشاً وغَطَفَانَ واليهود


[43282]:في "ب" على القسم بدل الشتم وهو تحريف وانظر: الدر المصون 4/373 والبيان 2/266.
[43283]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/220 وهو قول أبي البقاء في التبيان 1054 والنحاس في إعراب القرآن 3/308 وانظر البيان 2/266 ومشكل القرآن لمكي 2/195.
[43284]:الطبري 21/89 في جامع البيان.
[43285]:معاني القرآن للفراء 2/338.
[43286]:قالهما أبو حيان في البحر 7/220 وكذلك السمين في الدر 4/373.
[43287]:قالهما أبو حيان في البحر 7/220 وكذلك السمين في الدر 4/373.
[43288]:قاله شهاب الدين في الدر المصون 4/373.
[43289]:المرجع السابق.
[43290]:شواذ القرآن 193 والبحر 2207 والكشاف 3/355.
[43291]:في "ب" من مادة واحدة.
[43292]:نقله السمين في الدر 4/374.
[43293]:انظر: اللباب 1/343 ب.
[43294]:انظر القرطبي 14/152.
[43295]:في "ب" لا بد له.
[43296]:في "ب" متيقن.
[43297]:ذكره في التفسير الكبير 25/201 و 202.
[43298]:ساقطة من "أ".
[43299]:حكاه أبو البقاء في التبيان 1054 والبيان 2/266 والدر المصون 4/374.
[43300]:ذكره ابن الأنباري في البيان المرجع السابق والسمين في الدر المرجع السابق.
[43301]:البيان لأبي البقاء 1054 وانظر المرجعين السابقين.
[43302]:هذا رأي أبي البقاء في التبيان 2/1054 والدر المصون 4/374.
[43303]:البحر المحيط 7/220 والدر المصون 4/373.
[43304]:في "ب" وأيده.