فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

{ أَشِحَّةً } أي بخلاء { عَلَيْكُمْ } لا يعاونونكم بحفر الخندق ولا بالنفقة في سبيل الله قاله مجاهد وقتادة ، وقيل : أشحة بالقتال معكم ، وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم ، وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها ، قاله السدي . العامة على نصب : أشحة ، وفيه وجهان .

أحدهما : أنه منصوب على الذم .

والثاني : على الحال من ضمير : يأتون قاله الزجاج أو هلم إلينا قاله الطبري ، وقرئ بالرفع أي هم أشحة وهو جمع شحيح ، وهو جمع لا يقاس عليه ، إذ قياس فعيل الوصف الذي عينه ولامه من واد واحد أن يجمع على أفعلاء نحو خليل وأخلاء ، وظنين ، وأظناء ، وضنين وأضناء ، وقد سمع أشحاء وهو القياس ، والشح ، البخل وتقدم في آل عمران قاله السمين .

{ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ } من قبل العدو قاله السدي أو منه صلى الله عليه وسلم قاله ابن شجرة { رَأَيْتَهُمْ } أي أبصرتهم { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } في تلك الحالة خوفا من القتال على القول الأول ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على الثاني { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ } يمينا وشمالا لذهول عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة ، وقيل لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة ، وذلك سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه .

{ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أي كدوران عين الذي قرب من الموت ، وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه ، فيذهل إليه ، ويذهب عقله ويشخص بصره ، فلا يطرف ، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف ، ويقال للميت إذا شخص بصره دارت عيناه ودارت حماليق عينيه .

{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم } أي استقبلوكم { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي ذربة تفعل كفعل الحديد يقال : سلق فلان بلسانه إذا أغلظ له في القول مجاهرا ، قال الفراء : أي آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة ويقال : خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا ، قال القتيبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد ، والسلق : الأذى قال ابن عباس : معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة ، قال قتادة : المعنى بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا قد شهدنا معكم فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم ، قال النحاس وهذا قول حسن .

{ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } أي على الغنيمة يشاحون المسلمين عند القسمة ، قاله يحيى بن سلام ، وقيل على المال أن ينفقوه في سبيل الله قاله السدي ، ويمكن أن يقال معناه إنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه { أُوْلَئِكَ } الموصوفون بتلك الصفات .

{ لَمْ يُؤْمِنُوا } إيمانا خالصا بل هم المنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر { فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها بمعنى أظهر بطلانها لأنها لم تكن أعمالا صحيحة تقتضي الثواب حتى يبطلها الله وتحبط ، قال مقاتل أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان ، أو المراد أبطل تصنعهم ونفاقهم فلم يبق مستتبعا لمنفعة دنيوية أصلا { وَكَانَ ذَلِكَ } الإحباط لأعمالهم أو كان نفاقهم { عَلَى اللهِ يَسِيرًا } هينا بإرادته .