الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

ثم قال تعالى : { أشحة عليكم } .

قال الفراء : هو منصوب على الذم ، وأجاز نصبه على الحال ، وقدره : يعوقون أشحة {[55380]} .

وقيل : هو حال ، والتقدير : والقائلين لإخوانهم أشحة {[55381]} .

وقيل : التقدير : ولا يأتون البأس إلا قليلا ، يأتونه أشحة ، أي أشحة على الفقراء بالغنيمة جبناء {[55382]} .

وقال الطبري : التقدير هلم إلينا أشحة {[55383]} .

وقال السدي بنصبه على الحال ، والتقدير : ولا يأتون البأس إلا قليلا بخلا عليهم بالظفر والغنيمة {[55384]} .

ومن جعل العامل في أشحة " المعوقين " أو " القائلين " فقد غلط لأنه تفريق بين الصلة والموصول {[55385]} .

قال قتادة : معنا أشحة عليكم في الغنيمة {[55386]} .

وقال مجاهد : أشحة عليكم في الخير {[55387]} .

وقيل : التقدير : أشحة عليكم بالنفقة على الضعفاء منكم {[55388]} .

والتأويل : جبناء عند الناس أشحاء عند قسم الغنيمة .

وقال يزيد بن رومان : أشحة عليكم للضغن {[55389]} الذي في أنفسهم {[55390]} .

ثم قال تعالى : { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم } أي : فإذا جاء يا محمد القتال وخافوا ( الهلاك ) {[55391]} رأيتهم ينظرون إليك لواذا {[55392]} عن القتال تدور أعينهم خوفا من القتال .

{ كالذي يغشى عليه من الموت } أي : تدور أعينهم كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت النازل به .

ثم قال تعالى : { فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد } أي : فإذا زال القتال عفوكم بألسنة ذربة {[55393]} .

يقال للرجل الخطيب : مسلق ومسلاق وسلاق بالسين والصاد فيهن ، أي : بليغ {[55394]} . والمعنى : أنهم عند قسم الغنيمة يتطاولون بألسنتهم لشحهم على ما يأخذ المسلمون ، يقولون : أعطونا أعطونا ، فإنا شهدنا معكم ، وهم عند البأس أجبن قوم ، هذا معنى قول قتادة {[55395]} .

ويدل على صحة هذا التأويل قوله بعد ذلك : { أشحة على الخير } أي : على الغنيمةإذا ظفر المسلمون .

وقيل : بل ذلك أذى المنافقين للمسلمين بألسنتهم عند الأمان . قاله ابن عباس ويزيد بن رومان .

ثم قال تعالى ذكره : { أولئك لم يومنوا فأحبط الله أعمالهم } أي : هؤلاء المنافقون الذين تقدمت صفتهم لم يصدقوا بالله ورسوله بقلوبهم فأحبط الله أعمالهم ، أي : أذهبها وأبطلها .

ويروى أن الذي وصف بها كان بدريا فأحبط الله عمله ، قاله ابن زيد {[55396]} .

{ وكان ذلك على الله يسيرا } أي : وكان إحباط أعمالهم على الله هينا حقيرا .

وتقف على " { إلا قليلا } " إذا نصبت " أشحة " على الذم ، ولا تقف عليه على غير هذا التقدير {[55397]} .


[55380]:انظر: معاني الفراء 2/338، والجامع للقرطبي 14/153 والبحر المحيط 7/220
[55381]:انظر: معاني الزجاج 4/220، وإعراب النحاس 3/308، والتبيان للعكبري 1054، والإملاء له أيضا 191
[55382]:انظر: إعراب النحاس 3/308، والجامع للقرطبي 14/153
[55383]:انظر: جامع البيان 21/140، والقطع والائتناف 574
[55384]:انظر: الجامع للقرطبي 14/153
[55385]:انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/574 والجامع للقرطبي 14/153
[55386]:انظر: جامع البيان 21/140 والبحر المحيط 7/220
[55387]:انظر: جامع البيان 21/140، والدر المنثور 6/581، تفسير مجاهد 548
[55388]:انظر: الجامع للقرطبي 14/152
[55389]:الضغن هو الحقد انظر: مادة "ضغن" في الصحاح 6/2154 واللسان 13/255
[55390]:انظر: جامع البيان 21/140
[55391]:مثبت في طرة أ
[55392]:جاء في الصحاح: مادة "لوذ" 2/570، "لاذ به لواذا ولياذا، أي: لجأ إليه وعاذ به" وجاء في اللسان مادة "لوذ" 3/507 "لاذ به يلوذ ولواذا ولواذا ولواذا ولياذا، لجأ إليه وعاذ به. ولاوذ ملوذة ولواذا ولياذا: استتر..."
[55393]:الألسنة الذربة هي الألسنة الحادة الفاحشة انظر: اللسان مادة "ذرب" 1/385
[55394]:انظر: إعراب النحاس 3/309، والجامع للقرطبي 14/153
[55395]:انظر: جامع البيان 21/141، والجامع للقرطبي والدر المنثور 6/582
[55396]:انظر: جامع البيان 21/141
[55397]:انظر: القطع الإئتناف 574