الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } في وقت الحرب أضناء بكم ، يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذراً أو خوراً ولواذاً بك ، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة : نقلوا ذلك الشحّ وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير - وهو المال والغنيمة - ونسوا تلك الحالة الأولى ، واجترأوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا : وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم ، وبمكاننا غلبتم عدوّكم وبنا نصرتم عليهم . ونصب { أَشِحَّةً } على الحال أو على الذمّ . وقرىء : «أشحة » ، بالرفع . و«صلقوكم » بالصاد .

فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟ قلت : لا ولكنه تعليم لمن عسى يظن أنّ الإيمان باللسان إيمان وإن لم يوطئه القلب ، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدي عليه ، فبين أنّ إيمانه ليس بإيمان ، وأنّ كل عمل يوجد منه باطل . وفيه بعث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الإيمان الصحيح ، وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس ، وأنها مما يذهب عند الله هباء منثوراً .

فإن قلت : ما معنى قوله : { وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً } وكل شيء عليه يسير ؟ قلت : معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط ، تدعو إليه الدواعي ، ولا يصرف عنه صارف .