في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

ثم يعقب مرة أخرى بما يزيد هذه الحقيقة استقراراً وتمكيناً :

( فاطر السماوات والأرض ، جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً . يذرؤكم فيه . ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . .

فالله منزل ذلك القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيه من شيء . . هو ( فاطر السماوات والأرض ) . . وهو مدبر السماوات والأرض . والناموس الذي يحكم السماء والأرض هو حكمه الفصل في كل ما يختص بهما من أمر . وشؤون الحياة والعباد إن هي إلا طرف من أمر السماوات والأرض ؛ فحكمه فيها هو الحكم الذي ينسق بين حياة العباد وحياة هذا الكون العريض ، ليعيشوا في سلام مع الكون الذي يحيط بهم ، والذي يحكم الله في أمره بلا شريك .

والله الذي يجب أن يرجعوا إلى حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو خالقهم الذي سوى نفوسهم ، وركبها : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) . . فنظم لكم حياتكم من أساسها ، وهو أعلم بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم . وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارها للأحياء جميعا : ( ومن الأنعام أزواجاً ) . . فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود . . إنه هو الذي جعلكم - أنتم والأنعام - تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب . ثم تفرد هو دون خلقه جميعا ، فليس هنالك من شيء يماثله - سبحانه وتعالى - : ( ليس كمثله شيء ) . . والفطرة تؤمن بهذا بداهة . فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه . . ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه عندما تختلف فيما بينها على أمر ، ولا ترجع معه إلى أحد غيره ؛ لأنه ليس هناك أحد مثله ، حتى يكون هناك أكثر من مرجع واحد عند الاختلاف .

ومع أنه - سبحانه - ( ليس كمثله شيء ) . . فإن الصلة بينه وبين ما خلق ليست منقطعة لهذا الاختلاف الكامل . فهو يسمع ويبصر : ( وهو السميع البصير ) . . ثم يحكم حكم السميع البصير .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

المفردات :

فاطر السماوات والأرض : خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق .

يذرؤكم فيه : يكثركم بسبب هذا التزاوج بين الذكور والإناث .

ليس كمثله شيء : ليس له مثيل في ذاته أو صفاته أو أفعاله .

التفسير :

11 – { فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .

هو سبحانه خالق السماوات والأرض ، ومبدعهما على غير مثال سابق ، وهو خالق الكون وخالق الإنسان والحيوان ، وقد خلق من كل شيء زوجين ، فخلق حواء من آدم ، وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ، إن هذا التزاوج بين الرجل المرأة مصدر الرحمة والمودة ، والأنس والسكن والنسل ، وهذا التزاوج بين الحيوانات مصدر التكاثر بينها ، وعمارة الكون ، وقد أراد الله لهذا الإنسان التكاثر ، وللحيوان التكاثر ، والقدرة كلها في يده ، والملك في يده ، وليس له مثيل أو نظير ، فهو المالك القادر ، والأوثان الأصنام لا تملك شيئا ولا تخلق شيئا ، وهو سبحانه مطلع وشاهد ، سميع بكل شيء ، بصير بكل شيء .

وقريب من ذلك المعنى قوله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } . ( الروم : 21 ) .

وقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات . . . } ( النحل : 72 ) .

قال ابن كثير :

{ يذرؤكم فيه . . . }

يخلقكم فيه ، أي في ذلك الخلق على هذه الصفة ، ولا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا ، خلقا من بعد خلق ، وجيلا من بعد جيل ، ونسلا من بعد نسل ، من الناس والأنعام .

وقال البغوي :

{ يذرؤكم فيه . . . }

أي : في الرحم ، وقيل : في البطن ، وقيل : في هذا الوجه من الخلقة .

قال مجاهد :

نسلا بعد نسل من الناس والأنعام ، وقيل : ( في ) بمعنى الباء ، أي : يذرؤكم به . اه .

أي : يكثركم بسبب هذا التزاوج بين الذكور والإناث .

إن الحكمة العليا جعلت التزاوج بين الذكر والأنثى وسيلة لإعمار الكون والحياة والسحاب والأمطار .

قال تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } . ( الذاريات : 49 ) .

وقال عز شأنه عن قصة نوح عليه السلام : { حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل } . ( هود : 40 ) .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

قوله تعالى : { فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } من مثل خلقكم حلائل . قيل : إنما قال : من أنفسكم لأنه خلق حواء من ضلع آدم . { ومن الأنعام أزواجاً } أصنافاً ذكوراً وإناثاً ، { يذرؤكم } يخلقكم ، { فيه } أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقيل : على هذا الوجه من الخلقة . قال مجاهد : نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام . وقيل : " في " ، بمعنى الباء ، أي : يذرؤكم به . وقيل : معناه يكثركم بالتزويج . { ليس كمثله شيء } مثل صلة ، أي : ليس هو كشيء ، فأدخل " المثل " للتوكيد ، كقوله : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } ( البقرة-137 ) ، وقيل : " الكاف " صلة ، مجازه : ليس مثله شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس له نظير . { وهو السميع البصير }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

{ من أنفسكم أزواجا } يعني : الإناث .

{ ومن الأنعام أزواجا } يحتمل أن يريد الإناث أو الأصناف .

{ يذرؤكم فيه } معنى : { يذرؤكم } يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن ، وقيل : يكثركم ، والضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله : { جعل لكم } ، وهذا كما تقول كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه ، وقيل : الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله { أزواجا } ، وقال الزمخشري : تقديره يذرؤكم في هذا التدبير ، وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا ، والضمير في { يذرؤكم } خطاب للناس والأنعام غلب فيه العقلاء على غيرهم ، فإن قيل : لم قال يذرؤكم فيه وهلا قال : يذرؤكم به ؟ فالجواب : أن هذا التدبير جعل كالمنع والمعدن للبث والتكثير قاله الزمخشري .

{ ليس كمثله شيء } تنزيه لله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، قال كثير من الناس : الكاف زائدة للتأكيد ، والمعنى : ليس مثله شيء ، وقال الطبري وغيره : ليست بزائدة ، ولكن وضع مثله موضع هو ، والمعنى : ليس كهو شيء ، قال الزمخشري : وهذا كما تقول مثلك لا يبخل ، والمراد : أنت لا تبخل ، فنفي البخل عن مثله والمراد : نفيه عن ذاته .