ثم يحاصرهم هم وأسطورتهم من ناحية أخرى . فهم يدعون أن الملائكة إناث . فعلام يقيمون هذا الادعاء ?
( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً . أشهدوا خلقهم ? ستكتب شهادتهم ويسألون ) . .
أشهدوا خلقهم ? فعلموا أنهم إناث ? فالرؤية حجة ودليل يليق بصاحب الدعوى أن يرتكن إليه . وما يملكون أن يزعموا أنهم شهدوا خلقهم . ولكنهم يشهدون بهذا ويدعونه ، فليحتملوا تبعة هذه الشهادة بغير ما كانوا حاضريه : ( ستكتب شهادتهم ويسألون ) . .
أشهدوا خلقهم : أحضروا خلق الملائكة فشاهدوهم إناثا ؟
ستكتب شهادتهم : ستسجل في ديوان أعمالهم .
19- { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون } .
أي : اعتقدوا أن الملائكة إناث مع أنهم عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، فهم نسبوا الملائكة -الذين هم أكمل العباد وأكرمهم على الله- للأنوثة .
أحضروا وقت خلق الله لهم ، حتى عرفوا أنهم إناث ؟ وهذا تجهيل وتهكم بهم .
{ ستكتب شهادتهم ويسألون . . . }
سيسجل الكتبة من الملائكة أقوالهم واعترافاتهم التي يلقونها جزافا ، دون أي سند من اليقين ، وسيسألون عنها يوم القيامة .
قال المفسرون : حكى القرآن عن كفار العرب ثلاثة أقوال شنيعة :
الأول : أنهم نسبوا إلى الله الولد .
الثاني : أنهم نسبوا إليه البنات دون البنين .
الثالث : أنهم حكموا على الملائكة المكرمين بالأنوثة بلا دليل ولا برهان ، فكذبهم القرآن الكريم في تلك ا لأقوال .
روى أن بعض العرب وضعت امرأته أنثى فهجر البيت الذي ولدت فيه ، وجلس في بيت زوجته الأخرى ، فاحتالت زوجته لاستمالة زوجها ، وأخذت تغني وتقول :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا *** وليس لنا من أمرنا ما شينا
ثم نعى عليهم في جَعْلهم الملائكة إناثا ، وزاد في الإنكار عليهم بأن مثلَ هذا الحكم لا يكون إلا عن مشاهدة ، فهل شَهدوا ولادتهم ؟
{ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } يوم القيامة حيث يُسألون عنها ويجازون بها
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر : وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن . والباقون : الذي هم عباد الرحمن .
وقرأ نافع : أأُشْهدوا خلقهم بفتح الهمزة وبضم الألف وإسكان الشين . وقرأ الباقون : أشهِدوا بهمزة واحدة وكسر الشين .
ولما كان ربما ظن أن المحذور إنما هو جعلهم عليهم السلام إناثاً بقيد النسبة إليه سبحانه ، نبه على أن ذلك قبيح في نفسه مطلقاً لدلالته على احتقارهم وانتقاصهم فهو كفر ثالث إلى الكفرين قبله : نسبة الولد إليه سبحانه ثم جعل أخص النوعين ، فقال : { وجعلوا } أي مجترئين على ما لا ينبغي لعاقل فعله { الملائكة الذين هم } متصفون بأشرف الأوصاف أنهم { عباد الرحمن } العامة النعمة الذي خلقهم فهم بعض من يتعبد له وهم عباده وحقيقة لأنهم ما عصوه طرفه عين ، فهم أهل لأن يكونوا على أكمل الأحوال ، وقراءة " عند " بالنون شديدة المناداة عليهم بالسفه ، وذلك أن أهل حضرة الملك الذين يصرفهم في المهمات لا يكونون إلا على أكمل الأحوال وعنديته أنهم لم يعصوه قط وهم في محل مقدس عن المعاصي مشرف بالطاعات وأهل الاصطفاء ، وذكر المفعول الثاني للجعل الذي بمعنى التعبير الاعتقادي والقول فقال : { إناثاً } وذلك أدنى الأوصاف خلقاً وذاتاً وصفة ، ثم دل على كذبهم في هذا المطلق ليدل على كذبهم في المقيد من باب الأولى فقال تهكماً بهم وتوبيخاً لهم وإنكاراً عليهم إظهاراً لفساد عقولهم بأن دعاويهم مجردة عن الأدلة : { أشهدوا } أي حضروا حضوراً هم فيه على تمام الخبرة ظاهراً وباطناً - هذا هو معنى قراءة الجماعة ، وأدخل نافع همزة التوبيخ على أخرى مضمومة لبناء الفعل للمفعول تنبيهاً على عجزهم عن شهود ذلك إلا بمن يشهدهم إياه ، وهو الخالق لا غيره ، ومدها في إحدى الروايتين زيادة في المناداة عليهم بالفضيحة ، وسهل الثانية بينها وبين الواو إشارة إلى انحطاط أمرهم وسفول آرائهم وأفعالهم ، وجميع تقلباتهم وأحوالهم كما سيكشف عنه الزمان ونوازل الحدثان { خلقهم } أي مطلب الخلق في أصله أو عند الولادة أو بعدها على حال من الأحوال حضوراً أوجب لهم تحقق ما قالوا بأن لم يغيبوا عن شيء من الأحوال الدالة على ذلك أعم من أن تكون تلك الشهادة حسية بنظر العين أو معنوية بعلم ضروري أو استدلالي بعقل أو سمع .
ولما كان الجواب قطعاً : لا ، قال مهدداً لهم مؤكداً لتهديدهم بالسين لظنهم أن لا بعث ولا حساب ولا حشر ولا نشر فقال : { ستكتب } بكتابة من وكلناهم بهم من الحفظة الذين لا يعصوننا فنحن نقدرهم على جميع ما نأمرهم به - هذا على قراءة الجماعة بالتاء والبناء للمفعول ، وعظم الكتابة تفخيماً للوعيد وإكباراً لما اشتمل عليه من التهديد في قراءة النون المفيدة للعظمة والبناء للفاعل ونصب الشهادة { شهادتهم } أي قولهم فيهم أنهم إناث الذي لا ينبغي أن يكون إلا بعد تمام المشاهدة ، فهو قول ركيك سخيف ضعيف - بما أشار إليه التأنيث في قراءة الجماعة { ويسألون } عنها عند الرجوع إلينا ، ويجوز أن يكون في السين استعطاف إلى التوبة قبل كتابة ولا علم لهم به ، فإنه قد روى أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات ، لعله يسبح الله أو يستغفر " رواه الشعبي والبغوي من طريقه والطبراني والبيهقي من طريق جعفر عن القاسم عن أبي أمامة والبيهقي من رواية بشر بن نمير عن القاسم نحوه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء عن عروة بن رويم عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه ، وروى الحاكم وقال : صحيح الإسناد عن أم عصمة العوصية رضي الله تعالى عنها قال : " ما من مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك ثلاث ساعات ، فإن استغفر من ذنبه لم يوقعه عليه ولم يعذب يوم القيامة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.