في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما . فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله . فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا . إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ، واتقوا الله لعلكم ترحمون ) . .

وهذه قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك ، تحت النزوات والاندفاعات . تأتي تعقيبا على تبين خبر الفاسق ، وعدم العجلة والاندفاع وراء الحمية والحماسة ، قبل التثبت والاستيقان .

وسواء كان نزول هذه الآية بسبب حادث معين كما ذكرت الروايات ، أم كان تشريعا لتلافي مثل هذه الحالة ، فهو يمثل قاعدة عامة محكمة لصيانة الجماعة الإسلامية من التفكك والتفرق . ثم لإقرار الحق والعدل والصلاح . والارتكان في هذا كله إلى تقوى الله ورجاء رحمته بإقرار العدل والصلاح .

والقرآن قد واجه - أو هو يفترض - إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين . ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف الإيمان مع اقتتالهما ، ومع احتمال أن إحداهما قد تكون باغية على الأخرى ، بل مع احتمال أن تكون كلتاهما باغية في جانب من الجوانب .

وهو يكلف الذين آمنوا - من غير الطائفتين المتقاتلتين طبعا - أن يقوموا بالإصلاح بين المتقاتلين . فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحق - ومثله أن تبغيا معا برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها - فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة إذن ، وأن يظلوا يقاتلونهم حتى يرجعوا إلى أمر الله . وأمر الله هو وضع الخصومة بين المؤمنين ، وقبول حكم الله فيما اختلفوا فيه ، وأدى إلى الخصام والقتال . فإذا تم قبول البغاة لحكم الله ، قام المؤمنون بالإصلاح القائم على العدل الدقيق طاعة لله وطلبا لرضاه . . ( إن الله يحب المقسطين ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

9

المفردات :

الطائفة : الجماعة أقل من الفرقة ، بدليل قوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة . . . } ( التوبة : 122 ) .

فأصلحوا بينهما : فكفوهما عن القتال بالنصيحة ، أو بالتهديد والتعذيب .

بغت : تعدت وجارت .

تفيء : ترجع .

أمر الله : الصلح ، لأنه مأمور به في قوله تعالى : { وأصلحوا ذات بينكم . . . } ( الأنفال : 1 ) .

فأصلحوا بينهما بالعدل : بإزالة آثار القتال بضمان المتلفات ، بحيث يكون الحكم عادلا ، حتى لا يؤدي النزاع إلى الاقتتال مرة أخرى .

وأقسطوا : واعدلوا في كل شأن من شئونكم ، وأصل الإقساط : إزالة القسط ( بالفتح ) وهو الجور ، والقاسط : الجائر ، كما قال تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } . ( الجن : 15 ) .

التفسير :

9- { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } .

الإسلام رباط متين بين المسلمين ، وقد حث القرآن الكريم على صلة الرحم ، ورأب الصدع ، والإصلاح بين الناس .

قال تعالى : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } . ( النساء : 114 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تحاقدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله تعالى )9 .

والآية التاسعة من سورة الحجرات أصل في دعوة المسلمين إلى لزوم الوحدة والجماعة ، وقتال البغاة ، والصلح بين المتخاصمين بالعدل والقسط .

ومعنى الآية الكريمة :

إن تخاصمت جماعتان أو فئتان من المسلمين ، فينبغي أن نسارع إلى الصلح بينهما بالحسنى والإرشاد ، والكلمة الطيبة والتوجيه ، وذكر محاسن الفئة الأخرى ومحامدها ، ورغبتها في الصلح والحب والمودة .

قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين اثنين فينمي خيرا أو يقول خيرا )10 .

فمن أراد الصلح بين فئتين ، وسمع كلمة طيبة من إحداهما فنماها وزادها ، أو اخترعها رغبة في التواصل والصلح بين المتخاصمين ، فلا يسمى كذابا بل مصلحا .

{ فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله . . . }

فإن لم تستجب إحدى الفئتين إلى الصلح ، ولم تخضع للحكم بالعدل ، واحتمت بالعدوان والبغي على الفئة الأخرى ، وجب ردع المعتدي وتحذيره وإنذاره أولا ، ومحاولة استدراجه إلى الصلح ، فإن رفض وبغى تعبن قتاله إلى أن يرجع إلى حكم الله ، وهو الصلح بين المتنازعين .

{ فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .

إن رجعت الفئة المعتدية عن بغيها ، وقبلت الصلح والتعاون مع الوسطاء ، وجب على الأمة أن تصلح بين المتنازعين بالعدل والحق والقسط ( بكسر القاف ) .

{ إن الله يحب المقسطين } . إن الله يحب العادلين في الحكم ، حتى نقطع دابر النزاع من أساسه ، وتعود الأمور هادئة آمنة نافعة راشدة .

قال صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ ، بين يدي الرحمان عز وجل بما أقسطوا في الدنيا ) . أخرجه ابن أبي حاتم ، والنسائي ، وإسناده جيد قوي ، ورجاله على شرط الصحيح .

وأخرج مسلم ، والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور ، على يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا )11 .

/خ10

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

الطائفة : الجماعة أقل من الفِرقة .

فأصلحوا بينهما : بأية طريقة : بالنصيحة ، بالتفاوض ، بالتهديد ، بكل وسيلة .

فإن بغتْ : فإن تعدت وجارت .

تفيء : ترجع .

أمر الله : الصلح .

فأصلحوا بينهما بالعدل : بإزالة آثار القتال والخلاف ، وبضمان ما تلف بحيث يكون الحكم عادلا .

وأقسطوا : واعدلوا .

في هذه الآية تشريعٌ عملي عظيم لصيانة المجتمع الإسلامي ، وحمايته من الخصام والتفكك والتمزق . فبعدّ أن حذّر الله تعالى من النبأ الصادر عن الفاسق ، وحثّ على التوثق من مصادر الأخبار ، وعدم العَجلةِ والاندفاع وراء الحَمِيّة والحماسة الطائشة قال : إن حصل أن اقتتلتْ طائفتان من المؤمنين فإن على المؤمنين أن يقوموا بالإصلاح بينهما . فإن تعدت إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح ، فعليهم أن يقاتلوا تلك التي تتعدى حتى ترجع إلى حكم الله . فان قبلت الصلح ورجعت إلى حكم الله ، فأصلِحوا أيها المؤمنون بينهما بالعدل والإنصاف حتى لا يتجدد القتال مرة أخرى .

ثم أمرنا الله تعالى بالعدل في كل الأمور فقال :

{ وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين }

واعدِلوا أيها المؤمنون ، بين الناس جميعا في كل الأمور ، إن الله يحب العادلين في جميع أعمالهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ 9-10 } { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

هذا متضمن لنهي المؤمنين ، [ عن ] أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل{[798]}  بعضهم بعضًا ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين ، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير ، بالإصلاح بينهم ، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا ، فبها ونعمت ، وإن { بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير وترك الشر ، الذي من أعظمه ، الاقتتال ، [ وقوله ] { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح ، قد يوجد ، ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين ، فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما ، لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل ، { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات ، التي تولوها ، حتى إنه ، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله ، وعياله ، في أدائه حقوقهم ، وفي الحديث الصحيح : " المقسطون عند الله ، على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم ، وما ولوا "


[798]:- في ب: ويقتل.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } نزلت في جمعين من الأنصار كان بينهما قتال بالأيدي والنعال { فأصلحوا بينهما } بالدعاء إلى حكم كتاب الله فإن بغت إحداهما على الأخرى أي تعدت إحداهما على الأخرى وعدلت عن الحق { فقاتلوا } الباغية حتى ترجع إلى أمر الله في كتابه { فإن فاءت } رجعت إلى الحق { فأصلحوا بينهما } بحملهما على الإنصاف { وأقسطوا } واعدلوا { إن الله يحب المقسطين }

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .

ذلك أمر من الله لعباده المؤمنين بالإصلاح بين الفئتين المقتتلتين منهم ، فدين الإسلام رحمة من الله للعالمين ، يرسخ فيهم المودة والتعاون والإخاء ويحذرهم العداوة والبغضاء وسوء الخصام ويوجب أن يغيض كل أسباب الشقاق والنزاع والمباغضة وإذا وقع شيء من ذلك بين فئتين من المؤمنين أن يبادروا سراعا للتوفيق والإصلاح بين الفئتين المتخاصمتين المقتتلتين . لا جرم أن الإصلاح بين المسلمين عمل جليل ومبارك يكتب الله فيه حسن الجزاء للأبرار الذين يصلحون بين إخوانهم المسلمين ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكر ( رضي الله عنه ) قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول : " إن ابني هذ سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ، إذ أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الذي وقع بينهم من حرب تثير في النفس الألم والحزن .

أما في سبب نزول الآية : فقد روي عن أنس قال : يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني ، فوالله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه . وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزلت فيهم : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } {[4290]} وقيل غير ذلك من الأسباب .

والمستفاد : وجوب الإصلاح بين المسلمين إذا ما وقع بينهم نزاع أو شقاق أو اقتتال . والطائفة : تعني الواحد فما فوقه ، والطائفة من الشيء : القطعة منه{[4291]} .

قوله : { فأصلحوا بينهما } أمر بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله فهو يقضي لهما أو عليهما .

قوله : { فإن بغت إحداهما على الأخرى } بغت من البغي وهو العدول عن القصد . بغى على الناس بغيا ، أي ظلمهم واعتدى عليهم فهو باغ ، وجمعه بغاة . وبغى : سعى بالفساد{[4292]} . والمراد : إذا اعتدت إحدى الطائفتين ولم تستجب لنداء الحق أو حكم الله فأبت إلا التطاول والفساد { فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله } أي قاتلوا هؤلاء البغاة حتى يثوبوا إلى الحق والصواب ويقبلوا بحكم الله في كتابه الكريم .

قوله : { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } { فاءت } من الفيء وهو الرجوع ، أي إن رجعت الفئة المتعدية المتجاوزة عن بغيها ورضيت بالاحتكام إلى كتاب الله ، فأصلحوا بين الطائفتين بتحري الحق والصواب والأخذ للطائفة المظلومة من الظالمة حتى يزول ما أصابها من حيف وبغي .


[4290]:أسباب النزول للنيسابوري ص 263.
[4291]:مختار الصحاح ص 400.
[4292]:المصباح المنير جـ 1 ص 64.