تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب ، في شأن أهل الكهف ، لعدم علمهم بذلك ، وكان الله عالم الغيب والشهادة ، العالم بكل شيء ، أخبره بمدة لبثهم ، وأن علم ذلك عنده وحده ، فإنه من غيب السماوات والأرض ، وغيبها مختص به ، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله ، فهو الحق اليقين ، الذي لا يشك فيه ، وما لا يطلع رسله عليه ، فإن أحدا من الخلق ، لا يعلمه .

وقوله : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } تعجب من كمال سمعه وبصره ، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات ، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات . ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة ، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون ، الولي لعباده المؤمنين ، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى ، ويجنبهم العسرى ، ولهذا قال : { مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ } أي : هو الذي تولى أصحاب الكهف ، بلطفه وكرمه ، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق .

{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } وهذا يشمل الحكم الكوني القدري ، والحكم الشرعي الديني ، فإنه الحاكم في خلقه ، قضاء وقدرا ، وخلقا وتدبيرا ، والحاكم فيهم ، بأمره ونهيه ، وثوابه وعقابه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

{ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض } له ما غاب فيهما وخفي من أحوال أهلهما ، فلا خلق يخفى عليه علما . { أبصر به وأسمع } ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي ، والهاء تعود إلى الله ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان أصله أبصر أي صار ذا بصر ، ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء ، فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى { وكفى به } والنصب على المفعولية عند الأخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية ومعدية إن كانت للصيرورة . { ما لهم } الضمير لأهل السماوات والأرض . { من دونه من وليّ } من يتولى أمورهم . { ولا يشرك في حكمه } في قضائه . { أحدا } منهم ولا يجعل له فيه مدخلا . وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الإشراك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

إن كان قوله تعالى : { ولبثوا في كهفهم } [ الكهف : 25 ] إخباراً مِن الله عن مدة لبثهم يكون قوله : { قل الله أعلم بما لبثوا } قطعاً للمماراة في مدة لبثهم المختلف فيها بين أهل الكتاب ، أي الله أعلم منكم بمدة لبثهم .

وإن كان قوله : { ولبثوا } حكاية عن قول أهل الكتاب في مدة لبثهم كان قوله : { قل الله أعلم بما لبثوا } تفويضاً إلى الله في علم ذلك كقوله : { قل ربي أعلم بعدتهم } [ الكهف : 22 ] .

وغيبُ السماوات والأرض ما غاب عِلمه عن الناس من موجودات السماوات والأرض وأحوالهم . واللام في { له } للملك . وتقديم الخبر المجرور لإفادة الاختصاص ، أي لله لا لغيره ، رداً على الذين يزعمون علم خبر أهل الكهف ونحوهم .

و { أبصر به وأسمع } صيغتا تعجيب من عموم علمه تعالى بالمغيبات من المسموعات والمبصرات ، وهو العلم الذي لا يشاركه فيه أحد .

وضمير الجمع في قوله : { ما لهم من دونه من ولي } يعود إلى المشركين الذين الحديث معهم . وهو إبطال لولاية آلهتهم بطريقة التنصيص على عموم النفي بدخول ( من ) الزائدة على النكرة المنفية .

وكذلك قوله : { ولا يشرك في حكمه أحداً } هو ردّ على زعمهم بأنّ الله اتخذ آلهتهم شركاء له في ملكه .

وقرأ الجمهور { ولا يشرك } برفع { يشرك } وبياء الغيبة . والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { قل الله أعلم } . وقرأه ابن عامر بتاء الخطاب وجَزْم و { يشرك } على أن ( لا ) ناهية . والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مراد به أمته ، أو الخطاب لكل من يتلقاه .

وهنا انتهت قصة أصحاب الكهف بما تخللها ، وقد أكثر المفسرون من رواية الأخبار الموضوعة فيها .