تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (189)

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

يقول{[127]}  تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } جمع - هلال - ما فائدتها وحكمتها ؟ أو عن ذاتها ، { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } أي : جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر ، ثم يتزايد إلى نصفه ، ثم يشرع في النقص إلى كماله ، وهكذا ، ليعرف الناس بذلك ، مواقيت عباداتهم من الصيام ، وأوقات الزكاة ، والكفارات ، وأوقات الحج .

ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات ، ويستغرق أوقاتا كثيرة قال : { وَالْحَجِّ } وكذلك تعرف بذلك ، أوقات الديون المؤجلات ، ومدة الإجارات ، ومدة العدد والحمل ، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق ، فجعله تعالى ، حسابا ، يعرفه كل أحد ، من صغير ، وكبير ، وعالم ، وجاهل ، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية ، لم يعرفه إلا النادر من الناس .

{ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا } وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب ، إذا أحرموا ، لم يدخلوا البيوت من أبوابها ، تعبدا بذلك ، وظنا أنه بر . فأخبر الله أنه ليس ببر{[128]}  لأن الله تعالى ، لم يشرعه لهم ، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله ، فهو متعبد ببدعة ، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم ، التي هي قاعدة من قواعد الشرع .

ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور ، أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب ، الذي قد جعل له موصلا ، فالآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ينبغي أن ينظر في حالة المأمور ، ويستعمل معه الرفق والسياسة ، التي بها يحصل المقصود أو بعضه ، والمتعلم والمعلم ، ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله ، يحصل به مقصوده ، وهكذا كل من حاول أمرا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه ، فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } هذا هو البر الذي أمر الله به ، وهو لزوم تقواه على الدوام ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فإنه سبب للفلاح ، الذي هو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب ، فمن لم يتق الله تعالى ، لم يكن له سبيل إلى الفلاح ، ومن اتقاه ، فاز بالفلاح والنجاح .


[127]:- في ب: فقوله.
[128]:- في ب: ليس من البر.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (189)

{ يسألونك عن الأهلة } سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم فقالا : ( ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ، ثم يزيد حتى يستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا ) { قل هي مواقيت للناس والحج } فإنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدل أمره ، فأمره الله أن يجيب بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس يؤقتون بها أمورهم ، ومعالم للعبادات المؤقتة يعرف بها أوقاتها . وخصوصا الحج فإن الوقت مراعى فيه أداء وقضاء . والمواقيت : جمع ميقات ، من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان : أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها . والزمان : مدة مقسومة ، والوقت : الزمان المفروض لأمر . { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وقرأ أبو عمرو وورش وحفص بضم الباء ، والباقون بالكسر . { ولكن البر من اتقى } وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف { ولكن } ورفع { البر } . كانت الأنصار إذا أحرموا لم يدخلوا دارا ولا فسطاطا من بابه ، وإنما يدخلوا من نقب أو فرجة وراءه ، ويعدون ذلك برا ، فبين لهم أنه ليس ببر وإنما البر من اتقى المحارم والشهوات ، ووجه اتصاله بما قبله أنهم سألوا عن الأمرين . أو أنه لما ذكر أنها مواقيت الحج وهذا أيضا من أفعالهم في الحج ذكره للاستطراد ، أو أنهم لما سألوا عما لا يعنيهم ولا يتعلق بعلم النبوة وتركوا السؤال عما يعنيهم ويختص بعلم النبوة ، عقب بذكره جواب ما سألوه تنبيها على أن اللائق بهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتموا بالعلم بها ، أو أن المراد به التنبيه على تعكيسهم في السؤال بتمثيل حالهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه . والمعنى : وليس البر بأن تعكسوا مسائلكم ولكن البر من اتقى ذلك ولم يجسر على مثله . { وأتوا البيوت من أبوابها } إذ ليس في العدول بر فباشروا الأمور من وجوهها . { واتقوا الله } في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله . { لعلكم تفلحون } لكي تظفروا بالهدى والبر .