{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
يقول{[127]} تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } جمع - هلال - ما فائدتها وحكمتها ؟ أو عن ذاتها ، { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } أي : جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر ، ثم يتزايد إلى نصفه ، ثم يشرع في النقص إلى كماله ، وهكذا ، ليعرف الناس بذلك ، مواقيت عباداتهم من الصيام ، وأوقات الزكاة ، والكفارات ، وأوقات الحج .
ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات ، ويستغرق أوقاتا كثيرة قال : { وَالْحَجِّ } وكذلك تعرف بذلك ، أوقات الديون المؤجلات ، ومدة الإجارات ، ومدة العدد والحمل ، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق ، فجعله تعالى ، حسابا ، يعرفه كل أحد ، من صغير ، وكبير ، وعالم ، وجاهل ، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية ، لم يعرفه إلا النادر من الناس .
{ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا } وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب ، إذا أحرموا ، لم يدخلوا البيوت من أبوابها ، تعبدا بذلك ، وظنا أنه بر . فأخبر الله أنه ليس ببر{[128]} لأن الله تعالى ، لم يشرعه لهم ، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله ، فهو متعبد ببدعة ، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم ، التي هي قاعدة من قواعد الشرع .
ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور ، أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب ، الذي قد جعل له موصلا ، فالآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ينبغي أن ينظر في حالة المأمور ، ويستعمل معه الرفق والسياسة ، التي بها يحصل المقصود أو بعضه ، والمتعلم والمعلم ، ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله ، يحصل به مقصوده ، وهكذا كل من حاول أمرا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه ، فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } هذا هو البر الذي أمر الله به ، وهو لزوم تقواه على الدوام ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فإنه سبب للفلاح ، الذي هو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب ، فمن لم يتق الله تعالى ، لم يكن له سبيل إلى الفلاح ، ومن اتقاه ، فاز بالفلاح والنجاح .
{ يسألونك عن الأهلة } سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم فقالا : ( ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ، ثم يزيد حتى يستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا ) { قل هي مواقيت للناس والحج } فإنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدل أمره ، فأمره الله أن يجيب بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس يؤقتون بها أمورهم ، ومعالم للعبادات المؤقتة يعرف بها أوقاتها . وخصوصا الحج فإن الوقت مراعى فيه أداء وقضاء . والمواقيت : جمع ميقات ، من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان : أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها . والزمان : مدة مقسومة ، والوقت : الزمان المفروض لأمر . { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وقرأ أبو عمرو وورش وحفص بضم الباء ، والباقون بالكسر . { ولكن البر من اتقى } وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف { ولكن } ورفع { البر } . كانت الأنصار إذا أحرموا لم يدخلوا دارا ولا فسطاطا من بابه ، وإنما يدخلوا من نقب أو فرجة وراءه ، ويعدون ذلك برا ، فبين لهم أنه ليس ببر وإنما البر من اتقى المحارم والشهوات ، ووجه اتصاله بما قبله أنهم سألوا عن الأمرين . أو أنه لما ذكر أنها مواقيت الحج وهذا أيضا من أفعالهم في الحج ذكره للاستطراد ، أو أنهم لما سألوا عما لا يعنيهم ولا يتعلق بعلم النبوة وتركوا السؤال عما يعنيهم ويختص بعلم النبوة ، عقب بذكره جواب ما سألوه تنبيها على أن اللائق بهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتموا بالعلم بها ، أو أن المراد به التنبيه على تعكيسهم في السؤال بتمثيل حالهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه . والمعنى : وليس البر بأن تعكسوا مسائلكم ولكن البر من اتقى ذلك ولم يجسر على مثله . { وأتوا البيوت من أبوابها } إذ ليس في العدول بر فباشروا الأمور من وجوهها . { واتقوا الله } في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله . { لعلكم تفلحون } لكي تظفروا بالهدى والبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.