{ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون( 189 ) }
الأهلة : واحدها هلال وهو القمر في ليلتين أو ثلاث من أول الشهر لأن الناس يرفعون أصواتهم بالذكر حين رؤيته من قولهم ، استهل الصبي إذا صرخ حين يولد ، وأهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية .
المواقيت : واحدها ميقات وهو ما يعرف به الوقت ، وهو الزمن المقدر المعين .
هذا مما سأل اليهود واعترضوا به على النبي صلى الله عليه وسلم فقال معاذ : يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مساءلتنا عن الأهلة ، فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ، ثم ينقص حتى يعوج كما كان ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وقيل : إن سبب نزولها سؤال قوم من المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال ، وما سبب محاقه( 83 ) وكماله ، ومخالفته لحال الشمس ، قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم( 84 ) .
{ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج . . . }
يسألك بعض الناس عن الحكمة من خلق الأهلة ، قل لهم يا محمد : إن الله تعالى قد خلقها لتكون معالم يوقت ويحدد بها صومهم وزكاتهم وحججهم وغير ذلك من أمور دينهم كما يؤقتون بها أمورهم الدنيوية مثل مواعيد الزراعة والتجارة وسداد الدين ، والسفر والقدوم ونحو ذلك ، ولو كان القمر على حالة واحدة لم يتيسر هذا التوقيت ، وسواء أكان السؤال من اليهود ، أو من بعض المسلمين عن الهلال فإن إجابة القرآن كانت من قبيل أسلوب الحكم . وهو إجابة السائل بغير ما يتطلبه سؤاله بتنزيل سؤاله منزلة غيره ، تنبيها له على أن ذلك المخالف هو الأولى بالسؤال لأنه هو المهم بالنسبة له .
فأنت ترى هنا أن السائلين قد سألوا عن اختلاف الأهلة بالزيادة ، والنقصان ، فأجيبوا بيان الحكمة من خلقها فكأنه سبحانه يقول لهم : عليكم أن تسألوا عن الحكمة والفائدة من خلق الأهلة لأن هذا هو الأليق بحالكم وهو ما أجبتكم عليه ، لا أن تسألوا عن سبب تزايدها في أول الشهر وتناقصها في آخره لأن هذا من اختصاص علماء الهيئة وأنتم لستم في حاجة إلى معرفة ذلك في هذا الوقت .
وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها .
روى البخاري وابن جرير عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله الآية( 85 ) .
وكأنهم كانوا يتحرجون من الدخول م الأبواب ، من أجل سقف الباب أن يحول بينهم وبين السماء .
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : كان في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم رجل منهم بالحج فإن كان من أهل المدر يعني من أهل البيوت نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ، أو يضع سلما فيصعد منه وينحدر عليه ، وإن كان من أهل الوبر يعني أهل الخيام يدخل من خلف الخيمة ، إلا من كان من الحمس .
وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل ومن الحديبية بالعمرة فدخل حجرته ودخل خلفه رجل أنصاري من بني سلمة ، فدخل وخرق عادة قومه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لم دخلت وأنت قد أحرمت " فقال : " دخلت أنت فدخلت بدخولك " . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إني أحمس " أي من قوم لا يدينون بذلك . فقال له الرجل : وأنا ديني دينك ، فنزلت الآية . وقيل إن هذا الرجل هو قطبة بن عامر الأنصاري .
" والحمس : قريش وكنانة وخزاعة وجشم وبنو عامر بن صعصعة وبنو نصر بن معاوية ، وسموا حمسا لتشديدهم في دينهم ، والحماسة الشدة " ( 86 ) .
ووجه الاتصال بين دخولهم البيوت من ظهورها ، وبين سؤالهم عن الأهلة : التعريض بأن السؤال عن الأهلة يعتبر كإتيان البيوت من ظهورها ، وأن اللائق بحالهم ألا يسألوا عن هذا الأمر ، الذي لم يستعدوا لإدراكه من الناحية العلمية .
والآية تعتبر مثلا فيمن يباشر الأمور بطريقة غير مألوفة .
أي راقبوا الله في أفعالكم وألزموا قلوبكم التقوى التي تتضمن القيام بجميع الواجبات واجتناب البدع والمنكرات .
ومن اتقى الله تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ورزقه الله الهدى والفلاح ، وفاز بالحياة المطمئنة في الدنيا ، والنعيم الخالد في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.