تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (189)

قوله سبحانه : { يسألونك عن الأهلة } ، نزلت في معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنمة ، وهما من الأنصار ، فقال معاذ : يا رسول الله ، ما بال الهلال يبدو مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يمتلئ فيستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ، فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } في أجل دينهم ، وصومهم ، وفطرهم ، وعدة نسائهم ، والشروط التي بينهم إلى أجل ، ثم قال عز وجل : { والحج } ، يقول : وقت حجهم والأهلة مواقيت لهم ، وذلك قوله سبحانه : { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } ، وذلك أن الأنصار في الجاهلية وفي الإسلام كانوا إذا أحرم أحدهم بالحج أو بالعمرة ، وهو من أهل المدن ، وهو مقيم في أهله لم يدخل منزله من باب الدار ، ولكن يوضع له سلم إلى ظهر البيت فيصعد فيه ، وينحدر منه ، أو يتسور من الجدار ، وينقب بعض بيوته ، فيدخل منه ويخرج منه ، فلا يزال كذلك حتى يتوجه إلى مكة محرما ، وإذا كان من أهل الوبر دخل وخرج من وراء بيته .

وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوما نخلا لبني النجار ، ودخل معه قطبة بن عامر بن حديدة الأنصاري من بني سلمة بن جشم من قبل الجدار ، وهو محرم ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الباب وهو محرم ، خرج قطبه من الباب ، فقال رجل : هذا قطبة خرج من الباب وهو محرم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما حملك أن تخرج من الباب وأنت محرم ؟" ، قال : يا نبي ا الله ، رأيتك خرجت من الباب وأنت محرم ، فخرجت معك ، وديني دينك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خرجت لأني من أحمس" ، فقال قطبة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت أحمسيا فإني أحمسي ، وقد رضيت بهديك ودينك فاستننت بسنتك ، فأنزل الله في قول قطبة بن عامر للنبي صلى الله عليه وسلم : { وليس البر } ، يعني التقوى ، { بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى } الله واتبع أمره ، ثم قال عز وجل : { وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله } ولا تعصوه يحذركم { لعلكم } ، يقول : لكي { تفلحون } ، والحمس قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، الذين لا يسلون السمن ولا يأكلون الأقط ولا يبنون الشعر والوبر .