الآية 189 وقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ؛ يحتمل قوله : ( يسألونك ) أي سألوك ( عن الأهلة ) ، ويحتمل ( يسألونك ) من بعد . فإن كان على هذا ففيه دليل رسالته ، لأنه كان كما أخبر من السؤال عن الأهلة ، والله أعلم ، هو أنهم لما رأوا الشمس تطلع دائما على حالة واحدة ، ورأوا القمر مختلف الأحوال من الزيادة والنقصان ، فحملهم ذلك على السؤال عن حال القمر ، فأخبر عز وجل أنه جعل الهلال معرفا للخلق الأوقات والآجال والمدد ومعرفة وقت الحج ، لأنه لو جعل معرفة ذلك بالأيام لاشتد حساب ذلك عليهم ، ولتعذرت{[2215]} معرفة السنين والأوقات بالأيام ، فجعل عز وجل بلطفه وبرحمته الأهلة ليعرفوا بذلك الأوقات والآجال ، ويعرفوا وقت الحج ووقت الزكاة طلبا للتخفيف والتيسير عليهم .
ثم قال : ( هي مواقيت للناس والحج ) جعل الأهلة كلها وقتا للحج . ولهذا ما قال أصحابنا : إنه يجوز الإحرام في الأوقات كلها على ما يجوز بقاء الإحرام في الأوقات كلها . وأما أفعال الحج فإنها لا تجوز إلا في وقت فعل الحج ، وهو قوله : ( الحج أشهر معلومات ) [ البقرة : 197 ] فإنما هي على أفعال فيه ؛ دليله قوله : ( فمن فرض فيهن الحج ) ولا{[2216]} تفرض من الحج في غير الإحرام . دل أنه عنى به أفعال الحج . وقد جاء أنه سمى الإحرام على الانفراد حجا ، وسمى{[2217]} الطواف بالبيت حجا ، وقال : " الحج عرفة " [ الترمذي : 889 ] ، وسمى الذبح حجا حيث قال : " أفضل الحج العج به والثج " {[2218]}[ الترمذي : 827 ] ؛ وإنما سمى كلا منها حجا لما جعلها أوقاتا معلومة يؤدى فيها . وأما الإحرام فإنه جعل الأشهر كلها وقتا له بقوله : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) .
وقوله : ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) لا معنى لعطف هذا على الأول إلا على إضمار{[2219]} السؤال ؛ كأنهم سألوه عن الأهلة وعن إتيان البيوت من ظهورها ، فأخبر أن ليس البر إتيان البيوت من ظهورها ، ( ولكن البر من اتقى ) . ثم اختلف في قصة هذا الكلام .
قال بعضهم : إن بعض العرب إذا أحرم أحدهم لم يدخل بيته من بابه ، ولكن يدخل من ظهر البيت مخافة تغطية الرأس إذا دخل من بابه ، وقيل : إن بعض العرب إذا خرج أحدهم لحاجة ، ولم{[2220]} يقض حاجته ، فرجع ، لم يدخل البيت من بابه ، ولكن يدخل من وراء ظهره ؛ يكره دخول بيت غير منجح ، يتطيرون به ، ويتفاءلون بقضائها ثانيا . فقال الله ( وليس البر ) فيما{[2221]} تصنعون ( ولكن البر من اتقى ) واتبع أمر الله ، وانتهى عما نهي عنه ، ويأتي البيوت من أبوابها ، ويحتمل أن يكون على التمثيل والرمز ، ليس على التحقيق كقوله : ( فنبذوه وراء ظهورهم ) [ آل عمران : 187 ] ، وكقوله : ( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم ) [ البقرة : 101 ] فهو ليس على حقيقة الطرح ، ولكن كانوا لا يسمعون كلام الله ، ولا يعبؤون به ، وكذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمعونه ، ولا يكترثون له{[2222]} ، فأخبر أنه كالمنبوذ والمطروح وراء الظهر لما لم يعملوا{[2223]} به . فعلى ذلك الأول : أخبر أن ليس البر في ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والائتمار بأمره ؛ ليس فعل البر مخالفة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن البر في الاتباع له /30-أ/ والائتمار بأمره .
وقال القرامطة : إن المراد من الأبواب هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه والبيوت هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أمروا بإتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند علي رضي الله عنه على ما جاء أنه قال : " أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد الدخول في البيت لا بد من أن يأتي الباب ، فيدخل من الباب " [ الحاكم في المستدرك : 3/126 ] . لكن الجواب لقولهم على قدر ما تأولوا ذكر البيوت وذكر الأبواب أيضا ، والبيوت كثيرة ، والأبواب كذلك أيضا ؛ فعلي وغيره من الصحابة من نحو أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فيه شرع سواء . ألا ترى أنه قال : ( أنا مدينة الحكمة ) ، والمدينة لا يعرف لها باب واحد ، بل يكون لها أبواب ؟ فدل أن تأويلهم في علي رضي الله عنه خاصة ، لا يصح ، وبالله العصمة .
وقوله : ( واتقوا الله ) أي اتقوا الله ، ولا تعصوه ، ولا تتركوا أمره ، وانتهوا عن مناهيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.