الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (189)

قوله : ( يَسْئَلُونَكَ/عَنِ الاَهِلَّةِ ) [ 188 ] .

الهلال مشتق من استهلال الصبي إذا بكى ، فقيل له : هلال( {[6097]} ) لأن الناس( {[6098]} ) حين يرونه يرفعون أصواتهم( {[6099]} ) بذكره( {[6100]} ) .

ويقال : أهَلَّ الهِلالُ واسْتَهَلّ . وسمي هلالاً لليلتين . وقيل : إلى الليلة( {[6101]} ) السابعة . ومعنى الآية أنها سؤال من المشركين للنبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[6102]} ) سألوه( {[6103]} ) عن نقصان القمر وزيادته ما هو ، فقيل له : قل( {[6104]} ) يا محمد : ( هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ( {[6105]} ) وَالحَجِّ )( {[6106]} ) .

معناه عند الطبري( {[6107]} ) : يسألونك يا محمد عن الأهلة واختلافها وتغيرها( {[6108]} ) في محاقها وسرارها وتمامها واستوائها واستسرارها ، وما المعنى الذي خالف له( {[6109]} ) حالها حال الشمس التي لا تغير ولا تنتقل( {[6110]} ) من حال إلى حال .

فقل( {[6111]} ) يا محمد : فعل الله ذلك تعالى لتعلم عدة الآجال لمن استوجر وتصرم( {[6112]} ) عدة النساء ووقت الصوم( {[6113]} ) والإفطار وحلول ديونكم وأشباه/هذا( {[6114]} ) .

فهذا معنى قوله : ( قُلْ( {[6115]} ) هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ ) .

ومعنى " والحج " أي وهي( {[6116]} ) مواقيت للحج تعرفون بها وقت حجكم( {[6117]} ) ونسككم وإحرامكم وغير ذلك . فمن أجل( {[6118]} ) هذا خالف الله بين( {[6119]} ) القمر والشمس . وكان ذلك لسؤال( {[6120]} ) سائل سأل النبي [ عليه السلام ]( {[6121]} ) عن الأهلة( {[6122]} ) . قال ابن جريج : " سأل الناس : لم خُلقت( {[6123]} ) هذه الأهلة ، فأجيبوا بذلك " ( {[6124]} ) . وكذلك/قال ابن عباس وقتادة( {[6125]} ) .

وقوله : ( وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن( {[6126]} ) تَاتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) [ 188 ] .

قال البراء ] : " كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها . فجاء رجل من الأنصار ، فدخل من( {[6127]} ) بابه ، فقيل له في ذلك ، فنزلت هذه الآية إنذاراً( {[6128]} ) لهم أن الدخول من ظهر البيت ليس من البر . فانتهوا عن ذلك " ( {[6129]} ) .

وقال إبراهيم النخعي : " هم ناس من أهل الحجاز كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا من أبواب البيوت ، فنهوا عن ذلك " ( {[6130]} ) .

وقال مجاهد : " كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم ثقب كوة في ظهر بيته( {[6131]} ) وجعل سلماً( {[6132]} ) ، ولم يدخل إلا من الكوة فنهوا في الإسلام عن ذلك " ( {[6133]} ) .

وقال الزهري : " كان الناس من الأنصار إذا أحرموا لم يحل بينهم وبين السماء شيء ، يتحرجون . وكان الرجل تبدو له الحاجة بعد خروجه فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقيفة الباب أن تحول بينه وبين السماء ، فيفتح في الجدار( {[6134]} ) من وراء الحجرة( {[6135]} ) ثم يدخل من ذلك الفتح . وكان( {[6136]} ) الحمس لا يفعلون ذلك ، فدخل النبي [ عليه السلام من الباب وهو محرم ، ودخل في إثره أنصاري ]( {[6137]} ) ، فقال( {[6138]} ) له النبي صلى الله عليه وسلم : إني أحْمَسٌ ، فقال [ الأنصاري : وأنا ]( {[6139]} ) أحمس أي على دينك . فأنزل الله الآية " ( {[6140]} ) .

وقال السدي : " كان أولئك الذين يفعلون هذا يسمون الحمس " ( {[6141]} ) .

وقال قوم من أهل اللغة : كان قوم من قريش وجماعة من العرب إذا توجه الرجل في حاجة فلم يقضها ولا تيسرت له ، تطير بذلك ورجع ، فلم يدخل من باب بيته ، فنهوا عن ذلك .

وقال جماعة من أهل التفسير : " الحمس هم قريش وبنو عامر بن صعصعة وثقيف ، وكان أحدهم إذا [ أحرم لم يسأل السمن ]( {[6142]} ) ولم يبع الوبر ولم يدخل من باب بيته . وسموا حمساً لأنهم تحمسوا في دينهم ، أي تشددوا " ( {[6143]} ) .

والحملة الشدة في الغضب وغيره( {[6144]} ) . فأعلمهم الله أن ذلك ليس من البر ، وأن البر التقوى .

وذكر( {[6145]} ) ابن الأنباري أن بعض الناس فسر( {[6146]} ) البيوت بإتيان النساء في الأدبار مُنعوا من ذلك ، وقيل لهم : إئتوا البيوت من أبوابها ، أي ائتوا المرأة من الباب/المحل لكم الذي منه يكون الولد ، ولا تأتوها( {[6147]} ) من غير هذا الباب فتجوروا( {[6148]} ) وتعصوا . وهو قول شاذ( {[6149]} ) .

وقال أبو عبيدة : " ( وَاتُوا البُيُوتَ مِنَ اَبْوَابِهَا )( {[6150]} ) : اطلبوا الخير من بابه( {[6151]} ) ومن أهله ولا تطلبوه من الجهال المشركين " ( {[6152]} ) .

وأكثر الناس على القول الأول( {[6153]} ) .


[6097]:- في ق: هلل.
[6098]:- سقط من ع3.
[6099]:- في ع3: أصواته. وهو خطأ.
[6100]:- انظر: اللسان 1/822، وتفسير القرطبي 2/341-342.
[6101]:- في ع2، ع3: ليلة.
[6102]:- في ح: عليه السلام.
[6103]:- في ع3: سأله.
[6104]:- في ق: بل. وهو تحريف.
[6105]:- في ع2، ق: الناس.
[6106]:- البقرة آية 188.
[6107]:- في جامع البيان 3/555، وهو أيضاً اختيار الثوري. انظر: تفسيره 20.
[6108]:- في ق: يغيرها. وهو تحريف.
[6109]:- سقط من ح.
[6110]:- في ق: تنقل.
[6111]:- في ع2: فقال. وفي ع3: فقيل.
[6112]:- في ع3: تصوم. وهو تحريف.
[6113]:- في ق: الحج.
[6114]:- في ع1، ق: في أشباه لهذا.
[6115]:- سقط من ع3.
[6116]:- سقط قوله: "أي و" من ع1، ق.
[6117]:- في ق: حججكم.
[6118]:- في ق: أحل. وهو تصحيف.
[6119]:- سقط من ع3.
[6120]:- في ع2، ق: سؤال. وفي ع3: سائل.
[6121]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6122]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/555.
[6123]:- في ع3: خلفت. وهو تصحيف.
[6124]:- في ع2، ع3: لذلك.
[6125]:- انظر: المحرر الوجيز 2/97، وتفسير القرطبي 2/341، ولباب النقول 35.
[6126]:- في ع1، ق: أن.
[6127]:- سقط من ع3.
[6128]:- في ع2، ع3: إنذار. وهو خطأ.
[6129]:- انظر: أسباب النزول 52، ولباب النقول 36.
[6130]:- انظر: جامع البيان 3/557-558، والمحرر الوجيز 2/98، وتفسير ابن كثير 1/225-226.
[6131]:- في ق: بنته. وهو تصحيف.
[6132]:- قوله: "وجعل سلماً" ساقط من ع3.
[6133]:- انظر: جامع البيان 3/558.
[6134]:- في ع3: الجوار. وهو تصحيف.
[6135]:- قوله "من أجل السقيفة..الحجرة" ساقط من ق.
[6136]:- في ق: كانت.
[6137]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم من باب وهو محرم ودخل في إثره أنصار.
[6138]:- في ع2: فقل. وهو خطأ.
[6139]:- في ع3: الأنصار أنا. وهو تحريف.
[6140]:- انظر: معاني الفراء 1/116، وأسباب النزول 53، ولباب النقول 36.
[6141]:- انظر: جامع البيان 3/559، والدر المنثور 1/492.
[6142]:- في ع3: حرم لم يسأل السمر.
[6143]:- انظر: تفسير القرطبي 2/345.
[6144]:- انظر: اللسان 1/717.
[6145]:- سقط حرف الواو من ع3.
[6146]:- في ع2، ع3: فسروا.
[6147]:- في ع2، ع3: توتوها.
[6148]:- سقط من: ع3. وفي ع1، ع2: تجور. وفي ق: تجوز.
[6149]:- انظر: تفسير القرطبي 2/346.
[6150]:- في ق: أبوبها. وفي ع3: أبوابها أي.
[6151]:- في ع2: أبوابه.
[6152]:- انظر: مجاز القرآن 1/68.
[6153]:- انظر: تفسير القرطبي 2/346.