تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

ثم قال تعالى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } أي : في الدين والدنيا { فَمِنَ اللَّهِ } هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها . { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ } في الدين والدنيا { فَمِنْ نَفْسِكَ } أي : بذنوبك وكسبك ، وما يعفو الله عنه أكثر .

فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله ، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله ، فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره .

ثم أخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } على أنك رسول الله حقا بما أيدك بنصره والمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة ، فهي أكبر شهادة على الإطلاق ، كما قال تعالى : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فإذا علم أن الله تعالى كامل العلم ، تام القدرة عظيم الحكمة ، وقد أيد الله رسوله بما أيده ، ونصره نصرا عظيما ، تيقن بذلك أنه رسول الله ، وإلا فلو تقول عليه بعض الأقاويل لأخذ منه باليمين ، ثم لقطع منه الوتين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

{ ما أصابك } يا إنسان . { من حسنة } من نعمة . { فمن الله } أي تفضلا منه ، فإن كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود ، فكيف يقتضي غيره ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " ما يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى . قيل ولا أنت قال : ولا أنا " . { وما أصابك من سيئة } من بلية . { فمن نفسك } لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي ، وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى : { قل كل من عند الله } فإن الكل منه إيجادا وإيصالا غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ما من مسلم يصيبه من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر " . والآيتان كما ترى لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة . { وأرسلناك للناس رسولا } حال قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل والتعميم إن علق بها أي رسولا للناس جميعا كقوله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } ويجوز نصبه على المصدر كقوله : ولا خارجا من وفيَّ زور كلام . { وكفى بالله شهيدا } على رسالتك بنصب المعجزات .