{ 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يقول تعالى : هذا { كِتَابٌ } عظيم ، ونزل كريم ، { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } أي : أتقنت وأحسنت ، صادقة أخبارها ، عادلة أوامرها ونواهيها ، فصيحة ألفاظه بهية معانيه .
{ ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي : ميزت وبينت بيانا في أعلى أنواع البيان ، { مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ } يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها ، لا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه حكمته ، { خَبِيرٌ } مطلع على الظواهر والبواطن . فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير ، فلا تسأل بعد هذا ، عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة ، وسعة الرحمة .
[ وهي مكية ]{[1]} .
قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا خلف بن هشام البزار ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن عِكْرِمة قال : قال أبو بكر : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما شَيّبك ؟ قال : " شيبتني هود ، والواقعة ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " {[2]} .
وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا أبو كُرَيْب محمد بن العلاء ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، قد شبت ؟ قال : " شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " {[3]} وفي رواية : " هود وأخواتها " .
وقال الطبراني : حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا حماد{[4]} بن الحسن ، حدثنا سعيد بن سلام ، حدثنا عمر بن محمد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شيبتني هود وأخواتها : الواقعة ، والحاقة ، وإذا الشمس كورت " وفي رواية : " هود وأخواتها " {[5]} .
وقد روي من حديث ابن مسعود ، فقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن طارق الرائشي{[6]} ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ؛ أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، ما شيبك ؟ قال : " هود ، والواقعة " {[7]} .
عمرو بن ثابت متروك ، وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود . والله أعلم .
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وبالله التوفيق .
وأما قوله : { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي : هي محكمة في لفظها ، مفصلة في معناها ، فهو كامل صورة ومعنى . هذا معنى ما روي عن مجاهد ، وقتادة ، واختاره ابن جرير .
وقوله : { مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } أي : من عند الله الحكيم في أقواله ، وأحكامه ، الخبير بعواقب الأمور .
{ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } .
قال أبو جعفر : قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله الر والصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ يعني : هذا الكتاب الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو القرآن . ورفع قوله : «كتابٌ » بنية : هذا كتاب . فأما على قول من زعم أن قوله : الر مراد به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن ، وجعلت هذه الحروف دلالة على جميعها ، وأن معنى الكلام : هذه الحروف كتاب أحكمت آياته ، فإن الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعا بقوله : الر .
وأما قوله : أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : تأويله : أحكمت آياته بالأمر والنهي ، ثم فصلت بالثواب والعقاب . ذكر من قال ذلك :
13862حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني أبو محمد الثقفي ، عن الحسن ، في قوله : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال : أحكمت بالأمر والنهِي ، وفصّلت بالثواب والعقاب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال : أحكمت في الأمر والنهي وفصلت بالوعيد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن رجل ، عن الحسن : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال : بالأمر والنهِي ثُمّ فُصّلَتْ قال : بالثواب والعقاب .
ورُوي عن الحسن قول خلافَ هذا . وذلك ما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي بكر ، عن الحسن ، قال : وحدثنا عباد بن العوّام ، عن رجل ، عن الحسن : أُحْكِمَتْ بالثواب والعقاب ثُمّ فُصّلَتْ بالأمر والنهِي .
وقال آخرون : معنى ذلك : أحكمت آياته من الباطل ، ثم فصلت ، فبين منها الحلال والحرام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه ، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال : أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها : بينها .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : أحكم الله آياته من الدّخل والخلل والباطل ، ثم فصلها بالأمر والنهي . وذلك أن إحكام الشيء إصلاحه وإتقانه ، وإحكام آيات القرآن إحكامها من خلل يكون فيها أو باطل يقدر ذوزيغ أن يطعن فيها من قبله . وأما تفصيل آياته فإنه تمييز بعضها من بعض بالبيان عما فيها من حلال وحرام وأمر ونهي . وكان بعض المفسرين يفسر قوله : فُصّلَتْ بمعنى : فسرت ، وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ثُمّ فُصّلَتْ قال : فسرت .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فُصّلَتْ قال : فسرت .
قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني ، عن مجاهد : ثُمّ فُصّلَتْ قال : فسرت .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال قتادة : معناه : بيّنت ، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل ، وهو شبيه المعنى بقول مجاهد .
وأما قوله : مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فإن معناه : حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها ، خبير بما يؤول إليه عواقبها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ يقول : من عند حكيم خبير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.