{ الر } محلُّه الرفعُ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، وقيل : على أنه مبتدأٌ والأولُ هو الأظهرُ كما أشير إليه في سورة يونُسَ ، أو النصبُ بتقدير فعلٍ يناسب المقامَ نحو اذكُر أو اقرأ على تقدير كونِه اسماً للسورة على ما عليه إطباقُ الأكثرِ ، أو لا محلَّ له من الإعراب مسرودٌ على نمط التعديدِ حسبما فُصِّل في أخوَاته ، وقوله تعالى : { كِتَابٌ } خبرٌ له على الوجه الثاني ، ولمبتدأ محذوفٍ على الوجوه الباقيةِ { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } نُظمت نظماً مُتْقناً لا يعتريه خللٌ بوجه من الوجوه أو جُعلت حكيمةً لانطوائها على جلائل الحِكَم البالغةِ ودقائِقها أو مُنعت من النسخ بمعنى التغييرِ مطلقاً أو أُيّدت بالحُجج القاطعةِ الدالةِ على كونها من عند الله عز وجل أو على ثبوتِ مدلولاتِها فالمرادُ بالآيات جميعُها أو على حقية ما تشتمل عليه من الأحكام الشرعيةِ فالمرادُ بها بعضُها المشتملُ عليها كما إذا فُسِّر الأحكامُ بالمنع من النسخ بمعنى تبديلِ الحُكمِ الشرعيِّ خاصةً ، وأما تفسيرُه بالمنع من الفساد أخذاً من قولهم : أحكمتَ الدابة إذا وضعتَ عليها الحَكَمة{[400]} لتمنعَها من الجِماح ففيه إيهامُ ما لا يكاد يليقُ بشأن الآياتِ الكريمةِ من التداعي إلى الفساد لولا المانع ، وفي إسناد الإحكامِ على الوجوه المذكورةِ إلى آيات الكتابِ دون نفسِه لاسيما على الوجوه الشاملةِ لكل آية منه من حسن الموقعِ والدِلالة على كونه في أقصى غاية منه ما لا يخفى { ثُمَّ فُصّلَتْ } أي جُعلت فصولاً من الأحكام والدلائل والمواعظِ والقِصصِ أو فُصّل فيها مَهمّاتُ العبادِ في المعاش والمعادِ على الإسناد المجازيِّ والتفسيرُ بجعلها آيةً آيةً لا يساعده ، لأن ذلك من الأوصاف الأوليةِ فلا يناسب عطفُه على أحكامها بكلمة التراخي ، وأما المعنيان الأوّلانِ فهما وإن كانا مع الأحكام زماناً حيث لم تزَل الآياتُ مُحكمةً مفصّلة لا أنها أُحكِمَتْ أو فُصِّلَت بعد أن لم تكن كذلك ، إذ الفعلانِ من قَبيل قولِهم : سبحان من صغّر البَعوضَ وكبّر الفيلَ ، إلا أنهما حيث كانا من صفات الآياتِ باعتبار نسبةِ بعضِها إلى بعض على وجه يستتبِعُ أحكاماً مخصوصةً وآثاراً معتدًّا بها ، وبملاحظة مصالحِ العبادِ ناسبَ أن يشار إلى تراخي رتبتِهما عن رتبة الإحكام ، وإن حُمل جعلُها آية آيةً على معنى تفريقِ بعضِها عن بعض يكونُ من هذا القبيل إلا أنه ليس في مثابته في استتباع ما يستتبعه من الأحكام والآثارِ ، أو فُرّقت في التنزيل منجّمة بحسب المصالحِ فإن أريد تنزيلُها المنجَّمُ بالفعل فالتراخي زمانيٌّ وإن أريد جعلُها في نفسها بحيث يكون نزولُها منجّماً حسبما تقتضيهِ الحِكمةُ والمصلحةُ فهو رُتبيٌّ لأن ذلك وصفٌ لازمٌ لها حقيقٌ بأن يُرتَّبَ على وصف إحكامِها وقرىء أحكمتُ آياتِه ثم فصّلتُ على صيغة التكلم وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أي فرّقت بين الحق والباطل .
{ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } صفةٌ للكتاب وُصف بها بعد ما وصُف بإحكام آياتِه وتفصيلِها الدالّين على رتبتِه من حيث الذاتُ إبانةً لجلالة شأنِه من حيث الإضافةُ ، أو خبرٌ للمبتدأ المذكور أو المحذوفِ ، أو صلةٌ للفعلين وفي بنائها للمفعول ثم إيرادِ الفاعلِ بعنوان الحِكمة البالغةِ والإحاطةِ بجلائلها ودقائِقها منكراً بالتنكير التفخيميّ وربطِهما به لا على النهج المعهودِ في إسناد الأفاعيلِ إلى فواعلها مع رعاية حسنِ الطباقِ من الجزالة والدلالة على فخامتهما وكونِهما على أكمل ما يكون ما لا يُكتنه كُنهُه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.