السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية إلا { وأقم الصلاة } الآية وإلا { فلعلك تارك } الآية و{ أولئك يؤمنون به } الآية مائة وثنتان أو ثلاث وعشرون آية ، وكلماتها ألف وسبعمائة وخمس عشرة ، وحروفها سبعة آلاف وستمائة وخمسة أحرف . وعن أبي بكر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، عجل إليك الشيب ؟ قال : " شيبتني هود وأخواتها . الحاقة والواقعة وعمّ يتساءلون هل أتاك حديث الغاشية " .

{ بسم الله } أي : الذي له تمام العلم وكمال الحكمة وجميع القدرة { الرحمن } لجميع خلقه بعموم البشارة والنذارة { الرحيم } لأهل ولايته بالحفظ في سلوك سبيله .

وقوله تعالى :

{ الر كتاب } مبتدأ وخبر ، أو كتاب خبر مبتدأ محذوف ، وتقدم الكلام على أوائل السور أول سورة البقرة . وقرأ أبو عمرو وابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي بالإمالة ، والباقون بالفتح . وقوله تعالى : { أحكمت آياته } صفة للكتاب وفسر الأحكام بوجوه :

الأوّل : أحكمت آياته ، أي : نظمت نظماً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم المرصف ، ولا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ، والمعنى : ولا يستطيع أحد نقض شيء منه ولا الطعن في شيء من بلاغته أو فصاحته .

الثاني : أنّ الأحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء فقوله : { أحكمت آياته } أي : لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به كما قال ابن عباس .

الثالث : أنها أحكمت بالحجج والدلائل ، أو جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيماً ؛ لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية وقوله تعالى : { ثم فصلت } صفة أخرى للكتاب ، أي : بينت بالأحكام والقصص والمواعظ والأخبار ، وبالإنزال نجماً نجماً ، أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه ، أو بجعلها سوراً .

وقال الحسن أحكمت بالأمر والنهي ثم فصلت بالوعد والوعيد .

تنبيه : معنى ثم في قوله : { ثم فصلت } ليس للتراخي في الوقت لكن في الحال كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل . وقوله تعالى { من لدن حكيم خبير } أي : الله تعالى صفة أخرى للكتاب ، والتقدير : الر كتاب من حكيم خبير أو خبر بعد خبر والتقدير : الر من لدن حكيم خبير أو صلة لأحكمت وفصلت ، أي : أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير . وعلى هذا التقدير قد حصل بين أوائل هذه السورة وبين آخرها مناسبة لطيفة ، كأنه يقول تعالى : أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور .