فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة هود عليه السلام

وهي مائة وثلاث وعشرون آية . وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ومجاهد وابن زيد . وقال ابن عباس وقتادة : الآية وهي قوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار } وقال مقاتل : أو إلا { فلعلك تارك } الآية { وأولئك يؤمنون به } الآية .

والحاصل أن المدني عند ابن عباس آية واحدة وعند مقاتل آيتان . وعن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرؤوا هود يوم الجمعة ) {[1]} أخرجه الدارمي وأبو داود والبيهقي وغيرهم وعن أبي بكر الصديق قال : قلت يا رسول الله أسرع إليك الشيب فقال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت ) {[2]} أخرجه الطبراني والترمذي وحسنه . وعن أنس مرفوعا وهل أتاك حديث الغاشية رواه البزار . وقد روي بطرق عن جمع من الصحابة .

قال بعض العلماء : سبب شيبه من هذه السورة ما فيها من ذكر القيامة والبعث والحساب والجنة والنار والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم .

{ الر } إن كان مسرودا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له ، وإن كان اسما للسورة فهو في محل الرفع على أنه مبتدأ وما بعده خبره أو خبر مبتدأ محذوف وهو الأظهر أو في محل النصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو أذكر أو اقرأ .

وقوله { كتاب } خبر لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب ويدل على ذلك قوله في آية أخرى { ذلك الكتاب } والإشارة إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموعه .

ومعنى { أحكمت آياته } صارت محكمة متقنة لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم المرصف ، وقيل معناه أنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل ، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب وهو المحكم الذي لم ينسخ وقيل معناه أحكمت آياته بالأمر والنهي والآيات المراد بها حقيقتها وهي الجمل من السور المنفصل بعضها عن بعض أي نظمت نظما متقنا لا يعتريه خلل بوجه من الوجوه وقيل معنى أحكامها أن لا فساد فيها أخذا من قولهم أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح .

{ ثم فصلت } بالوعد والوعيد والثواب والعقاب وقيل أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام وقيل أحكمت جملته ثم فصلت آياته ، وقيل جمعت في اللوح المحفوظ ثم فصلت بالوحي ، وقيل أيدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله والتراخي المستفاد من ثم إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح وإما رتبي إن فسر بغيره مما تقدم وإليه ذهب الزمخشري وقال : هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل كما يقال فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل .

{ من لدن حكيم خبير } فيه طباق حسن ، لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بواقع الأمور ، وقيل صفة ثانية لكتاب خبر ثان وإليه نحا الزمخشري وقيل غير ذلك


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[2]:- أين هذا الحديث: من رواه؟ من أخرجه؟ لم نجده في أي كتاب لدينا.