الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

سورة هود{[1]} . مكية{[2]}

روى مسروق{[3]} عن أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ){[4]} ، أنه قال : قلت يا رسول الله ! لقد أسرع إليك الشيب ، فقال : " شيبتني هود وأخواتها{[5]} : الواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت{[6]} .

وروى عكرمة عن ابن عباس نحوه .

قوله : { ألر }{[31746]} قد تقدم الكلام عليها{[31747]} .

وقولهم{[31748]} : ( قرأت هودا ) من صرفه أراد به سورة{[31749]} هود ، ومن{[31750]} لم يصرفه جعله{[31751]} اسما للسورة{[31752]} .

ولو قلت : ( قرأت الحمد ( لله ){[31753]} ){[31754]} فإنما جاز{[31755]} النصب : تُعْمِل الفعل فيه ، وجاز الرفع على الحكاية .

فإن قلت : قرأت { الحمد لله رب العالمين }[ 1 ]{[31756]} ، حكاية{[31757]} لا غير ، وكذلك{[31758]} { براءة }{[31759]} ، ترفع على الحكاية ، وتنصب على العمل . وتنون إذا أردت الحذف ، ولا تصرف{[31760]} إذا جعلته اسما للسورة .

فإن قلت : قرأت { براءة من الله ورسوله }{[31761]} ، حكاية لا غير .

وتقول : قرأت ( ألم البقرة ) فتنصِبُ{[31762]} على النعت لقولك : ( ألم ) ، لأنه مفعول به بقراءة ، وإن شئت خفضتَ{[31763]} ( البقرة ) ، وتقدر{[31764]} إضافة ( ألم ){[31765]} إليها .

فإن قلت : ( قرأت : ( ألمص ){[31766]} ، و( كهيعص ){[31767]} ، لم يجز الإعراب ، لأنه ليس في{[31768]} الأسماء نظير لهذا{[31769]} . وكذلك ( ألمر ){[31770]} ، و( ألر ){[31771]} ، وكذا{[31772]} { طه }{[31773]} لأنه في آخرها ألفا{[31774]} .

فإن قلت : { طس ){[31775]} ، قلت هذه ( طسين ){[31776]} يا هذا ، فلا تصرف{[31777]} لأن هذا من نظيره{[31778]} هابيل وقابيل{[31779]} .

فإن أردت الحكاية ، أسكنت ، وتقول هذه { طسم }{[31780]} فتُعِْربُ : إن شئت تجعل ( طس ) اسما ، وتضم أحدهما إلى{[31781]} الآخر مثل : معدي كرب ، فيجوز فتح الثاني{[31782]} ورفعه{[31783]} تجعل الإعراب في الآخر .

وأجاز سيبويه{[31784]} : مَعْدِي كرب على الإضافة{[31785]} ، فيجوز على هذا{[31786]} ، ( طس سم ) ، وتحسن الحكاية . فإن قلت : ( قرأت ( حم ){[31787]} ) ، لم ينصرف لأنه مثل ( هابيل ) . وإن شئت أسكنت على الحكاية .

فإن{[31788]} قلت قرأت { حم غسق }{[31789]} لم يجز الإعراب ، لأنه لا نظير له في الأسماء .

وتقول هذه { ن }{[31790]} فاعلم بأنها تنون{[31791]} ، وتعرب{[31792]} : تريد{[31793]} سورة ( نون ) . وإن شئت جعلته اسما للسورة ، فلم تنون ، وإن شئت أسكنت على الحكاية . وتقول : هذه السبح{[31794]} ، فلا تصرف{[31795]} إذا جعلته اسما للسورة ، لأنه{[31796]} فعل ، وليس في الأسماء فعل .

وإن شئت فتحت فحكيت على ما في السورة ، فإن قلت هذه ( سبح ) لم يجز إلا الإسكان تحكيه لأنه فيه ضمير ، والجمل تحكي{[31797]} ، وكذلك تحكي : قرأت : { سأل سائل }{[31798]} ، و{ يا أيها المدثر }{[31799]} ، وقرأت { والفجر }{[31800]} لأنه اسم وحرف .

وتقول : قرأت{[31801]} { اقتربت }[ 1 ]{[31802]} تقطع الألف ، وتقف على الهاء{[31803]} ، إذا جعلته اسما للسورة ، /لأن تأنيث الأسماء في الوقف بالهاء ، وألف الوصل في الأفعال تقطع إذا سمي بالأفعال{[31804]} . وإن شئت قلت : قرأت { اقتربت } فوصلت الألف ووقفت بالتاء ، على الحكاية .

فإن قلت : قرأت { اقتربت الساعة }{[31805]} ، لم يجز إلا الحكاية به{[31806]} ومثله : { تبت يدا أبي لهب }{[31807]} ، فإن أفردت بالهاء ، وجعلته اسما للسورة قلت : قرأت ( تبت ){[31808]} ، تقِف على{[31809]} الهاء{[31810]} .

قوله : { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت } – إلى قوله – { على كل شيء قدير } . [ 1-4 ]

المعنى : هذا الكتاب الذي أنزلناه{[31811]} { أحكمت آياته } : أي : بالأمر والنهي{[31812]} ، { ثم فصلت } بالثواب ، والعقاب . قاله الحسن{[31813]} . وعنه { ثم فصلت } أي : بالوعد ، والوعيد{[31814]} .

وعنه أيضا : { أحكمت } أي : بالثواب والعقاب{[31815]} { ثم فصلت } بالأمر ، والنهي .

وقال قتادة : أحكمها الله عز وجل{[31816]} ، من الباطل ، ثم فصلها ، و{[31817]}بين الحلال ، والحرام{[31818]} .

وقال مجاهد : { أحكمت } : لم ينسخها شيء{[31819]} .

{ ثم فصلت } نزلت شيئا بعد شيء{[31820]} . وقيل : { فصلت } : فسرت وبينت : قاله : مجاهد ، وابن جريج{[31821]} .

{ من لدن حكيم } : أي : من عند حكيم{[31822]} في أفعاله ، خبير بجميع الأشياء ، وبمصالح عباده .

وقيل : أحكمت عن أن يدخل فيها الفساد . يقال : أَحْكَمَتُهُ{[31823]} الآيات{[31824]} .

وحكمته لغتان : أي : مَنَعْنًهُ{[31825]} ، ومنه حكمت{[31826]} اللجام لأنها تمنع الفرس الجماح . وأصله كله من إحكام الشيء ، وهو : إبرامه{[31827]} ، وإتقانه ، عن أن يفسده شيء{[31828]} .

والوقف على { ألر } حسن{[31829]} إلا قول من جعله مبتدأه وكتاب خبره .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[3]:أ: إذ.
[4]:أ: الاولى والثانية والثالثة.
[5]:ساقط من أ.
[6]:م: هذه الأشياء وسخرها.
[31746]:ط: {ألر}.
[31747]:انظر: تفصيل القول فيها في: تفسير الهداية إلى بلوغ النهاية 1/3205-3207.
[31748]:ق: وقرأ لهم براءة.
[31749]:ط: بسورة.
[31750]:ق: ومن ومن وهو سهو من الناسخ.
[31751]:ساقط من ط.
[31752]:انظر هذا الإعراب في: إعراب النحاس 2/271، وإعراب مكي 1/394، والمحرر 9/101، وإعراب العكبري 2/688، والجامع 9/4.
[31753]:ساقط من ق.
[31754]:وردت (الحمد لله) في القرآن الكريم في ثلاث وعشرين آية. أولها في الفاتحة 2، وآخرها في غافر: 65.
[31755]:ق: ما هذا. ط: بانما ذا جازوا النصب.
[31756]:الفاتحة: 2، ويونس 10، والزمر: 75، وغافر:65.
[31757]:في النسختين معا حكية.
[31758]:ط: وكذا.
[31759]:التوبة: 1، والقمر: 43.
[31760]:أي: ما تصرف (براءة)، أو (الحمد)، أو هود فيما سبق.
[31761]:التوبة: 1.
[31762]:ق: فينصب.
[31763]:ق: حفظت.
[31764]:ط: تقدر.
[31765]:ساقطة من ق.
[31766]:ط: المص. الأعراف1.
[31767]:مريم: 1.
[31768]:ق: من.
[31769]:ط: لهما.
[31770]:الرعد: 1.
[31771]:هي الحروف المقطعة في الآية الأولى لسور: هود – يوسف – إبراهيم – الحجر.
[31772]:ط: وكذلك.
[31773]:ط: 1.
[31774]:ق: ألف وهو خطأ.
[31775]:النمل: 1.
[31776]:ق: طس.
[31777]:ق: يصرف.
[31778]:ق: لأنه نظيره هابيل.
[31779]:هما ابنا آدم الواردة قصتهما في سورة المائدة 29-33.
[31780]:الشعراء: 1 والقصص: 1.
[31781]:ق: على.
[31782]:ط: التاء.
[31783]:ق: ويرفعه.
[31784]:ط في معدي كرب.
[31785]:انظر الكتاب 2/267 و 3/296-297 و 304 و374.
[31786]:ق: هذه.
[31787]:ط: حم. وهي الحروف المقطعة للآية الأولى من سور: غافر – فصلت – الشورى – الزخرف – الدخان – الجاثية – الأحقاف.
[31788]:ط: وإن.
[31789]:الشورى: 1.
[31790]:سورة ن: 1.
[31791]:ق: فتنوين. ط: فتنون.
[31792]:ط: مطموس.
[31793]:ق: يريد.
[31794]:وهي الآية الأولى من سور: الحديد، والحشر، والصف.
[31795]:ط: مطموس.
[31796]:ط: لأنه على.
[31797]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[31798]:المعارج: 1.
[31799]:المدثر: 1.
[31800]:الفجر: 1.
[31801]:ط: قراة.
[31802]:القمر: 1.
[31803]:أي: تقرأ التاء المبسوطة مربوطة كما يلي: (إقتربه).
[31804]:أي: إذا سميت شيئا ما بفعل.
[31805]:القمر: 1.
[31806]:ساقط من ق.
[31807]:المسد: 1.
[31808]:ق: تبه.
[31809]:ط: بالهاء.
[31810]:أي: إذا سميت هذه السورة باللفظة الأولى منها وقفت على التاء المبسوطة بالهاء.
[31811]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/225.
[31812]:وهو قول الحسن، وأبي العالية في: الجامع 9/4، ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/37.
[31813]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/225-226.
[31814]:ط: بالوعيد والوعد. وانظر هذا القول في: جامع البيان 15/226 ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/37.
[31815]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/226.
[31816]:ساقط من ق.
[31817]:ساقط من ط.
[31818]:انظر: جامع البيان 15/226، وذهب ابن عطية في المحرر 9/102 إلى أن هذا التخصيص صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ، وانظر: الجامع 9/4.
[31819]:انظر هذا القول في: الجامع 9/4، والبحر 5/200، ولم ينسبه في غريب القرآن 201.
[31820]:انظر: غريب القرآن 201.
[31821]:انظر هذين القولين في: جامع البيان 15/227.
[31822]:ق: بحكم.
[31823]:ق: أحكمت.
[31824]:ط: الآية.
[31825]:ط: أي منعته لغتان.
[31826]:ق ط: حكمه.
[31827]:ط: الزامه.
[31828]:انظر: جامع البيان 15/227.
[31829]:انظر هذا الوقف كافيا في: الفطع 384، وتاما في المكتفى 313.