التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية . وهي حافلة بأخبار الأولين من الرسل الذين بعثهم الله إلى أممهم فما آمن منهم إلا قليل . وأبي أكثرهم إلا الضلال والعصيان والتكذيب . فأذوا رسالات الله ؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر . لقد أخذهم بشديد الوبال ، والعقاب الوجيع البئيس ، ما بين طوفان جارف غامر اصطلم المشركين جميعا فامحت أعيانهم البتة . أو ريح صرصر عاتية تدمر كل شيء ، أو صيحة قارعة رعيبة تتقطع منها القلوب ، وتتبد منها الأجساد تبديدا ، إلى غير ذلك من ضروب العقاب الذي أنزله بساحة العصاة والمجرمين الذين شاقوا الله ورسوله وحالوا بين منهج الله والناس .

إن هذه الأخبار في ذاتها مخوفة مؤثرة وغاية التأثير ، فلا يمر بها القارئ أو السامع المتدبر حتى تفجأه أحداثها ووقائعها وما آلت إليه من وخيم العواقب ، فيكف إذا كانت هاتيك الأخبار التي والوقائع قد تحدث بها القرآن بسوره العظيمة وآياته المؤثرة العجاب ، وعباراته التي تتزاحم فيها المعاني تزاحما ؟ ! وكذلك كلماته ذات الإيقاع المفزع ، والنعم الباهر الخلاب ؟ ! فلا جرم أن تكون هذه السورة في مبلغ تأثيرها وعجيب إيقاعها وزاخر معانيها المختلفة وشدة روعتها المفزعة التي تأخذ القلوب – باللغة الشأن ، مهيبة القدر والجلال .

تلك هي سورة هود التي وقعت في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل موقع حتى شاب منها شعره . وفي هذا أخرج الترمذي بإسناده عن ان عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله قد شبت . قال : ( شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذ الشمس كورت ) وفي رواية : ( هود وأخواتها ) .

روي الطبري عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( شيبتني هود وأخواتها : الواقعة ، والحاقة ، وإذا الشمس كورت ) .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الر كتاب أحكم آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير 1 ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير 2 وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير 3 إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير } .

{ الر } ، مبتدأ . خبره { كتاب } وقوله : { أحكم آياته } صفة للكتاب{[2046]} والمعنى : أنها نظمت مظما رصيفا{[2047]} ليس فيه نقص ولا ضعف ولا خلل . وقال ابن عباس : أي لم ينسخها كتاب بخلاف التوراة الإنجيل . وعلى هذا الوجه لا يكون كل كتاب محكما ؛ لأنه قد حصل فيه آيات منسوخة ، لكنه لما كان الغالب محكما غير منسوخ صح إطلاق هذا الوصف ( الإحكام ) عليه ؛ لأن الحكم الثابت فيما هو غالب يجري مجرى الثابت في الكل .

قوله : { ثم فصلت من لدن حكيم خبير } { فصلت } بمعنى فسرت ؛ أي بين حلالها وحرامها ، وأمرها ونهيها ، ووعدها ووعيدها ، وثوابها وعقابها . وذلك كله { من لدن حكيم خبير } حكيم في تدبيره وتقديره وأقواله وأفعاله ، خبير بعواقب الأمور وبما ينفع الناس أو يضرهم .


[2046]:تفسير الرازي جـ 17 ص 184.
[2047]:الرصيف: الثابت المحكم الرصين. انظر المصباح المنير جـ 1 ص 245 ومختار الصحاح ص 245.