تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ} (138)

{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }

أي : الزموا صبغة الله ، وهو دينه ، وقوموا به قياما تاما ، بجميع أعماله الظاهرة والباطنة ، وجميع عقائده في جميع الأوقات ، حتى يكون لكم صبغة ، وصفة من صفاتكم ، فإذا كان صفة من صفاتكم ، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره ، طوعا واختيارا ومحبة ، وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة ، فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية ، لحث الدين على مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ومعالي الأمور ، فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية- : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } أي : لا أحسن صبغةمن صبغته{[103]} .

وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ ، فقس الشيء بضده ، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا ، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح ، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن ، وفعل جميل ، وخلق كامل ، ونعت جليل ، ويتخلى من كل وصف قبيح ، ورذيلة وعيب ، فوصفه : الصدق في قوله وفعله ، والصبر والحلم ، والعفة ، والشجاعة ، والإحسان القولي والفعلي ، ومحبة الله وخشيته ، وخوفه ، ورجاؤه ، فحاله الإخلاص للمعبود ، والإحسان لعبيده ، فقسه بعبد كفر بربه ، وشرد عنه ، وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة ، من الكفر ، والشرك والكذب ، والخيانة ، والمكر ، والخداع ، وعدم العفة ، والإساءة إلى الخلق ، في أقواله ، وأفعاله ، فلا إخلاص للمعبود ، ولا إحسان إلى عبيده .

فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما ، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله ، وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه .

وفي قوله : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } بيان لهذه الصبغة ، وهي القيام بهذين الأصلين : الإخلاص والمتابعة ، لأن " العبادة " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال ، والأقوال الظاهرة والباطنة ، ولا تكون كذلك ، حتى يشرعها الله على لسان رسوله ، والإخلاص : أن يقصد العبد وجه الله وحده ، في تلك الأعمال ، فتقديم المعمول ، يؤذن بالحصر .

وقال : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار ، ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما .


[103]:- كذا في ب، وفي أ: صبغه.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ} (138)

124

إنه ليس على المؤمن إلا أن يستقيم على طريقته ، وأن يعتز بالحق المستمد مباشرة من ربه ، وبالعلامة التي يضعها الله على أوليائه ، فيعرفون بها في الأرض :

( صبغة الله . ومن أحسن من الله صبغة ؟ ونحن له عابدون ) . .

صبغة الله التي شاء لها أن تكون آخر رسالاته إلى البشر . لتقوم عليها وحدة إنسانية واسعة الآفاق ، لا تعصب فيها ولا حقد ، ولا أجناس فيها ولا ألوان .

ونقف هنا عند سمة من سمات التعبير القرآني ذات الدلالة العميقة . . إن صدر هذه الآية من كلام الله التقريري : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) . . أما باقيها فهو من كلام المؤمنين . يلحقه السياق - بلا فاصل - بكلام الباريء سبحانه في السياق . وكله قرآن منزل . ولكن الشطر الأول حكاية عن قول الله ، والشطر الثاني حكاية عن قول المؤمنين . وهو تشريف عظيم أن يلحق كلام المؤمنين بكلام الله في سياق واحد ، بحكم الصلة الوثيقة بينهم وبين ربهم ، وبحكم الاستقامة الواصلة بينه وبينهم . وأمثال هذا في القرآن كثير . وهو ذو مغزى كبير .