وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة ، المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم ، والحق المبين . ف { لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه .
ونفي الريب عنه ، يستلزم ضده ، إذ ضد الريب والشك اليقين ، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب . وهذه قاعدة مفيدة ، أن النفي المقصود به المدح ، لا بد أن يكون متضمنا لضده ، وهو الكمال ، لأن النفي عدم ، والعدم المحض لا مدح فيه .
فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } والهدى : ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه ، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة . وقال { هُدًى } وحذف المعمول ، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ، ولا للشيء الفلاني ، لإرادة العموم ، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين ، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية ، ومبين للحق من الباطل ، والصحيح من الضعيف ، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم ، في دنياهم وأخراهم .
وقال في موضع آخر : { هُدًى لِلنَّاسِ } فعمم . وفي هذا الموضع وغيره { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق . فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا ، ولم يقبلوا هدى الله ، فقامت عليهم به الحجة ، ولم ينتفعوا به لشقائهم ، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر ، لحصول الهداية ، وهو التقوى التي حقيقتها : اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه ، بامتثال أوامره ، واجتناب النواهي ، فاهتدوا به ، وانتفعوا غاية الانتفاع . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية ، والآيات الكونية .
ولأن الهداية نوعان : هداية البيان ، وهداية التوفيق . فالمتقون حصلت لهم الهدايتان ، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق . وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ، ليست هداية حقيقية [ تامة ] .
ومن أين يكون ريب أو شك ؛ ودلالة الصدق واليقين كامنة في هذا المطلع ، ظاهرة في عجزهم عن صياغة مثله ، من مثل هذه الأحرف المتداولة بينهم ، المعروفة لهم من لغتهم ؟
( ذلك الكتاب لا ريب فيه . . هدى للمتقين ) . .
الهدى حقيقته ، والهدى طبيعته ، والهدى كيانه ، والهدى ماهيته . . ولكن لمن ؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونورا ودليلا ناصحا مبينا ؟ . . للمتقين . . فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب . هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك . هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب .
لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم . بقلب خالص . ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى ، ويحذر أن يكون على ضلالة ، أو أن تستهويه ضلالة . . وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره ، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا ، خائفا ، حساسا ، مهيأ للتلقي . . ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال بلى ! قال : فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت . قال : فذلك التقوى . .
فذلك التقوى . . حساسية في الضمير ، وشفافية في الشعور ، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وتوق لأشواك الطريق . . طريق الحياة . . الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا . وعشرات غيرها من الأشواك !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.