تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (112)

ثم ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل أحد ، فقال : { بَلَى } أي : ليس بأمانيكم ودعاويكم ، ولكن { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } أي : أخلص لله أعماله ، متوجها إليه بقلبه ، { وَهُوَ } مع إخلاصه { مُحْسِنٌ } في عبادة ربه ، بأن عبده بشرعه ، فأولئك هم أهل الجنة وحدهم .

{ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم ، { وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فحصل لهم المرغوب ، ونجوا من المرهوب .

ويفهم منها ، أن من ليس كذلك ، فهو من أهل النار الهالكين ، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (112)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

يعني بقوله جل ثناؤه : { بَلَى مَنْ أسْلَمَ } أنه ليس كما قال الزاعمون لَنْ يَدْخُلَ الجَنّةَ إلا مَنْ كانَ هُودا أوْ نَصَارَى ولكن من أسلم وجهه لله وهو محسن ، فهو الذي يدخلها وينعم فيها . كما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : أخبرهم أن من يدخل الجنة هو من أسلم وجهه لله الآية . وقد بينا معنى بَلى فيما مضى قبل .

وأما قوله : { مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ } فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره . وأصل الإسلام : الاستسلام لأنه من استسلمت لأمره ، وهو الخضوع لأمره . وإنما سُمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ } يقول : أخلص لله . وكما قال زيد بن عمرو بن نُفَيل :

وأسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلَمَتْ لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبا زُلالاَ

يعني بذلك : استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له .

وخصّ الله جل ثناؤه بالخبر عمن أخبر عنه بقوله : بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ بإسلام وجهه له دون سائر جوارحه لأن أكرم أعضاء ابن آدم وجوارحه وجهه ، وهو أعظمها عليه حرمة وحقّا ، فإذا خضع لشيء وجهه الذي هو أكرم أجزاء جسده عليه فغيره من أجزاء جسده أحرى أن يكون أخضع له . ولذلك تذكر العرب في منطقها الخبر عن الشيء فتضيفه إلى وجهه وهي تعني بذلك نفس الشيء وعينه ، كقول الأعشى :

أؤوّلُ الحُكْمَ على وَجْهِهِ لَيْسَ قَضَائِي بالهَوَى الجائِرِ

يعني بقوله : «على وجهه » : على ما هو به من صحته وصوابه . وكما قال ذو الرّمة :

فَطَاوَعْتُ هَمّي وَأَنْجَلَى وَجْهُ بَازلٍ مِنَ الأمْرِ لَمْ يَتْرُكْ خِلاجا بُزُولُها

يريد : «وانجلى البازل من الأمر فتبين » ، وما أشبه ذلك ، إذ كان حسنُ كل شيء وقبحُه في وجهه ، وكان في وصفها من الشيء وجهه بما تصفه به إبانة عن عين الشيء ونفسه .

فكذلك معنى قوله جل ثناؤه : { بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ } إنما يعني : بلى من أسلم لله بدنه ، فخضع له بالطاعة جسده وهو محسن في إسلامه له جسده ، فله أجره عند ربه . فاكتفى بذكر الوجه من ذكر جسده لدلالة الكلام على المعنى الذي أريد به بذكر الوجه .

وأما قوله : وَهُوَ مُحْسِنَ فإنه يعني به في حال إحسانه . وتأويل الكلام : بلى من أخلص طاعته لله وعبادته له محسنا في فعله ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . يعني بقوله جل ثناؤه : { فَلَهُ أَجْرهُ عِنْدَ رَبّهِ } فللمسلمِ وجْهَهُ لله محسنا جزاؤه وثوابه على إسلامه وطاعته ربه عند الله في معاده .

ويعني بقوله : { وَلا خَوْف عَلَيْهِمْ } على المسلمين وجوههم لله وهم محسنون ، المخلصين له الدين في الاَخرة من عقابه وعذاب جحيمه ، وما قدموا عليه من أعمالهم .

ويعني بقوله : { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم في الدنيا ، ولا أن يمنعوا ما قدموا عليه من نعيم ما أعدّ الله لأهل طاعته .

وإنما قال جل ثناؤه : { وَلا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } وقد قال قبلُ : فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبّهِ لأن «من » التي في قوله : { بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ } في لفظ واحد ومعنى جميع ، فالتوحيد في قوله : فله أجره للّفظ ، والجمع في قوله : { وَلاَ خَوْف عَلَيْهِمْ }للمعنى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (112)

{ بلى } إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة { من أسلم وجهه لله } أخلص له نفسه ، أو قصده ، وأصله العضو{ وهو محسن } في عمله { فله أجره } الذي وعد له على عمله { عند ربه } ثابتا عن ربه لا يضيع ولا ينقص ، والجملة جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة . والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط فيكون الرد بقوله : بلى وحده ، ويحسن الوقف عليه . ويجوز أن يكون من أسلم فاعل فعل مقدر مثل بلى يدخلها من أسلم { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة .