فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (112)

{ بلى } رد لما ادعوه وإثبات لما نفوه { أسلم وجهه } انقاد

{ محسن } متقن لجميع ما يفعله

{ لا خوف عليهم } مما ينتظرهم

{ ولا هم يحزنون } على ما خلفوا من ورائهم

{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ليس الأمر كما زعموا بل الحق أنه من انقاد وأطاع مولاه وأتقن عمله لأولاه وعقباه وعبد الملك المهيمن كأنه يراه ، فالجزاء الأوفى والثواب الأبقى مدخر عند الله ولا خوف عليه مما سيلقاه فالجنة مأواه ، ولا يحزنون على ما تركوا وراءهم فإن البر يخلفهم وهو نعم الخليفة . وإنما عاد الضمير على من مفردا في قوله سبحانه { فله } وعاد مجموعا في قوله عز ثناؤه { ولا خوف عليهم } رعاية للفظ { من } وهو مفرد ثم رعاية لمعناها ، وهو جمع -وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء من حيث أنه معدن الحواس وينبوع الفكر والتخيل فإذا تواضع الأشرف كان غيره أولى لأن الوجه قد يكنى به عن النفس والذات { . . . كل شيء هالك إلا وجهه . . . }{[413]} { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى }{[414]} . . وهذا الاسلام أخص من الإسلام الذي ورد في الحديث

" الاسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتأتي الزكاة وتصوم{[415]} رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " لأن هذه عبارة عن الإذعان الكلي بجميع القوى والجوارح في كل الأحوال والأوقات وهو الإسلام الذي أمر به إبراهيم عليه السلام { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } ويؤكد ذلك قوله { لله } أي خالصا . . وزاد التأكيد بقوله { وهو محسن } ومعنى الإحسان هو الذي في الحديث : " الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . . والضابط أن كل ما فعلته لداعي الحق فهو عمل الحق . . وأما النية فهي انبعاث النفس وميلها إلى سلوك طريق الحق في كل فعل فاجتهد لتصيير ذلك ملكة لنفسك- {[416]}


[413]:سورة القصص من الآية 88.
[414]:سورة الليل من الآية 20.
[415]:هذه العبارة سقطت فلم تدون في النسخة المطبوعة على هامش جامع البيان.
[416]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان