قوله تعالى : " بَلَى " فيه وجوه :
الأول : أنه إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة .
الثاني : أنه تعالى لما نفى أن يكون لهم برهان أثبت أن لمن أسلم وجهه لله برهاناً .
الثالث : كأنه قيل لهم : أنتم على ما أنتم عليه لا تفوزون بالجنَّة ، بل إن غيّرتم طريقتكم ، وأسلمتم وجهكم لله ، وأحسنتم فلكم الجنة ، فيكون ذلك تَرْغيباً لهم في الإسلام ، وبَيَاناً لمُفَارقة حالهم لحال من يدخل الجنة لكي يُقْلعوا عما هم عليه ، ويعدلوا إلى هذه الطريقة .
قوله تعالى : { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } هو إسلام النفس لطاعة الله تعالى ، وإنما خصّ الوجه بالذكر لوجوه :
أحدها : لأنه أشرف الأعضاء من حيث إنه مَعْدن الحواس والفكر والتخيّل [ ولذلك يقال : وَجْهُ الأَمْر ، أي معظمه ؛ قال الأعشَى : [ السريع ]
740- أُؤَوِّلُ الحُكْمَ عَلَى وَجْهِهِ *** لَيْسَ قَضَائِي بِالهَوَى الجَائِرِ ]
فإذا تواضع الأشارف كان غيره أولى .
وثانيها : أن الوجه قد يكنى به عن النفس ، قال الله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، { إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } [ الليل : 20 ] .
وثالثها : أن أعظم العبادات السجدة ، وهي إنما تحصل بالوجه ، فلا جرم خصّ الوجه بالذكر . [ ومعنى " أسلم " : خضع قال زيد بن عمرو بْن نُفَيْلٍ : [ المتقارب ]
741أ- وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ *** لَهُ الأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِقالاَ
741ب - وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ *** لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْباً زُلاَلاَ
فيكون المراد هنا نفسه ، والأمر بإذلالها ، وأراد به نفس الشيء ، وذلك لا يكون إلاَّ بانقياد الخضوع ، وبإذلال النَّفْس في طاعة الله عز وجل وتجنبها عن معاصيه ] .
ومعنى " لله " أي : خالصاً لله لا يشوبه شِرْك .
قوله تعالى : " وَهُوَ مُحْسِنٌ " جملة في محلّ نصب على حال [ والعامل فيها " أسلم " وهذه الحال حال مؤكدة لأن من " أسلم وجهه لله فهو محسن{[8]} " ] .
وقال الزمخشري رحمه الله تعالى وهو مُحْسن له في عمله فتكون على رأيه مبيّنة ؛ لأن من أسلم وجهه قسمان : محسن في عمله وغير محسن انتهى .
قوله تعالى : " فله أجره " الفاء جواب الشرط إن قيل بأن " مَنْ " شرطية ، أو زائدة في الخبر إن قيل بأنها موصولة ، وقد تقدم تحقيق القولين عند قوله سبحانه وتعالى : { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } [ البقرة : 81 ] وهذه نظير تلك فليلتفت إليها .
وهنا وجه آخر زائد ذكره الزمخشري ، وهو أن تكون " مَنْ " فعله بفعل محذوف أي : بلى يدخلها من أسلم ، و " فَلَهُ أَجْرُهُ " كلام معطوف على يدخلها هذا نصه .
و " لَهُ أَجْرُهُ " مبتدأ وخبره ، إما في محلّ جزم ، أو رفع على حسب ما تقدّم من الخلاف في " مَنْ " . وحمل على لفظ " مَنْ " فأفرد الضمير في قوله تعالى : { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ } وعلى معناها ، فجمع في قوله : { عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، وهذا أحسن التركيبين ، أعني البداءة بالحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى والحامل في " عند " ما تعلق به " له " من الاستقرار ، ولما أحال أجره عليه أضاف الظرف إلى لفظة " الرّب " لما فيها من الإشعار بالإصلاح والتدبير ، ولم يضفه إلى الضمير ، ولا إلى الجلالة ، فيقول : فله أجره عنده أو عند الله ، لما ذكرت لك ، وقد تقدم الكلام في قوله تعالى : { فَلاَ خَوْفٌ } [ البقرة : 38 ] بما فيه من القراءات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.