تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي : لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .

{ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } أي : ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

ثم بين - سبحانه - أن فرعون وقومه بعد ان غرقوا ، لم يحزن لهلاكهم أحد ، فقال : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } .

أى : أن هؤلاء المغرقين ، الذين كانوا ملء السمع والبصر ، وكانوا يذلون غيرهم ، وكانوا يملكون الجنات والعيون . . هؤلاء الطغاة ، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السماوات أو أهل الأرض ، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر فى الدنيا أو فى الآخرة ، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف .

فالمقصود من الآية الكريمة ببيان هوان منزلة هؤلاء المغرين ، وتفاهة شأنهم ، وعدم أسف أحد على غرقهم ، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل . .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا فى تعظيم مهكله : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . .

قال جرير فى رثاء عمر بن العزيز :

نعى النعاة أمير المؤمنين لنا . . . يا خير من حج بيت الله واعتمروا

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له . . . وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

الشمس طالعة ليست بكاسفة . . . تبكى عليك نجوم الليل والقمرا

وقالت ليلى بنت طريف الخارجية ، ترثى أخاها الوليد :

أيا شجر الخابور مالك مورقا . . . كأنك لم تجزع على ابن طريف

وذلك على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة فى وجوب الجزع والبكاء عليه . .

وفى الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده ، فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض . يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، بل كانكوا بهلاكهم مسرورين . .

وقال الإِمام ابن كثير : قوله : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض } أى : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد فى أبواب السماء فتبكى على فقدهم ، ولا لهم بقاع فى الأرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا .

ثم ساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث منها ما أخرجه ابن جرير " عن شريح بن عبيد الحضرمى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الإِسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، ألا لا غربة على مؤمن . ما مات مؤمن فى غربة غابت عنه فيها بواكيه . إلا بكت عليه السماء والأرض . ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية . ثم قال : إنهما لا يبكيان على كافر " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

تفريع على قوله : { كم تركوا من جنات } إلى قوله : { قوماً آخرين } [ الدخان : 25 28 ] ، فإن ذلك كله يتضمن أنهم هلكوا وانقرضوا ، أي فما كان مُهلَكُهم إلا كمُهلَك غيرهم ولم يكن حدثاً عظيماً كما كانوا يحسبون ويحسب قومُهم ، وكان من كلام العرب إذا هلك عظيم أن يهوِّلوا أمر موته بنحو : بَكت عليه السماء ، وبكته الريح ، وتزلزلتْ الجبال ، قال النابغة في توقع موت النعمان بن المنذر من مرضه :

فإن يهلك أبو قابوس يهلِك *** ربيعُ الناس والبلدُ الحرام

وقال في رثاء النعمان بن الحارث الغساني :

بكَى حارثُ الجَولان من فقد ربه *** وحَوْران منه موحَش مُتضائل

والكلام مسوق مساق التحقير لهم ، وقريب منه قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } [ إبراهيم : 46 ] ، وهو طريقة مسلوكة وكثر ذلك في كلام الشعراء المحدثين ، قال أبو بكر بن اللَّبَّانَةِ الأندلسي في رثاء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية :

تبكي السماء بمزن رائحٍ غَاد *** على البهاليل من أبناء عَباد

والمعنى : فما كان هلاكهم إلا كهلاك غيرهم وَلا أنظروا بتأخير هلاكهم بل عجّل لهم الاستئصال .