تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

ولما وصف الشعراء بما وصفهم به ، استثنى منهم من آمن بالله ورسوله ، وعمل صالحا ، وأكثر من ذكر الله ، وانتصر من أعدائه المشركين من بعد ما ظلموهم .

فصار شعرهم من أعمالهم الصالحة ، وآثار إيمانهم ، لاشتماله على مدح أهل الإيمان ، والانتصار من أهل الشرك والكفر ، والذب عن دين الله ، وتبيين العلوم النافعة ، والحث على الأخلاق الفاضلة فقال : { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ينقلبون إلى موقف وحساب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها ، ولا حقا إلا استوفاه . والحمد لله رب العالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

وقوله - تعالى : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ . . . } استثناء من الشعراء المذمومين الذين يتبعهم الغاوون ، والذين هم فى كل واد يهيمون .

أى : إلا الشعراء الذين آمنوا بالله - تعالى - وعملوا الأعمال الصالحات وذكروا الله كثيرا بحيث لا يشغلهم شعرهم عن طاعة الله ، وانتصروا من بعد ما ظلموا من أعدائهم الكافرين ، بأن ردوا على أباطيلهم ، ودافعوا عن الدين الحق .

إلا هؤلاء ، فإنهم لا يكونون من الشعراء المذمومين ، بل هم من الشعراء الممدوحين .

قال ابن كثير : لما نزل قوله - تعالى - : { والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون } جاء حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون وقالوا : قد علم الله - تعالى - أنا شعراء ، فتلا عليهم النبى صلى الله عليه وسلم : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } قال : أنتم . { وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً } قال : أنتم { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قال : أنتم " .

فالشعراء : منهم المذمومون وهم الذين فى كل واد يهيمون ويقولون مالا يفعلون . .

ومنهم الممدوحون وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا .

والشعر فى ذاته كلام : حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، فخذ الحسن ، واترك القبيح .

وقد تكلم العلماء هنا كلاما طويلا يتعلق بتفسير هذه الآيات التى تحدثت عن الشعراء فارجع إليه إن شئت .

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله - تعالى - { وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

والمنقلب : المرجع والمصير ، وهو مفعول مطلق . أى : ينقلبون أى انقلاب والجملة الكريمة مشتملة على أشد ألوان التهديد والوعيد للظالمين .

قال القرطبى : ومعنى : { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } أى مصير يصيرون ، وأى مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبح مصير ، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع يرجعون ، والفرق بين المنقلب والمرجع : أن المنقلب : الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع : العود من حال هو فيها ، إلى حال كان عليها ، فصار كل مرجع منقلبا ، وليس كل منقلب مرجعا .

وقال الإمام ابن كثير : والصحيح أن هذه الآية عامة فى كل ظالم . . . وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كتب أبى وصيته من سطرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبى قحافة ، عند خروجه من الدنيا ، حين يؤمن الكافر ، وينتهى الفاجر ، ويصدق الكاذب . إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن يعدل فذاك ظنى به ، ورجائى فيه ، وإن يظلم ويبدل فلا أعلم الغيب { وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا } استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ، ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين ، و كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " . وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة السلام قال له " اهجوا فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } تهديد شديد لما في " سيعلم " من الوعيد البليغ وفي " الذين ظلموا " من الإطلاق والتعميم ، وفي " أي منقلب ينقلبون " أي بعد الموت من الإيهام والتهويل ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما حين عهد إليه ، وقرىء " أي منفلت ينفلتون " من الانفلات وهو النجاة والمعنى : أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة{[8974]} ، وقوله { وذكروا الله كثيراً } يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد ، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس ، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء ، وقوله { وانتصروا } إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة ، «وانتصروا بمثل ما ظلموا » ، وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم ، وعمل { ينقلبون } في { أي } لتأخيره{[8975]} . والحول والقوة لله عز وجل ، والله تبارك وتعالى أعلم .


[8974]:أخرج مثله عن أبي هريرة ابن مردويه، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) قال: (وأتاه قرظة بن كعب، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر،و قد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله عليه الله عليه: اقرؤوا، فقروا: {والشعراء.... إلى قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال : أنتم هم، {وذكروا الله كثيرا}، قال: أنتم هم: {وانتصروا من بعد ما ظلموا} قال: أنتم هم).
[8975]:ومعنى {أي منقلب ينقلبون}: أي مصير يصيرون، وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع وقال الماوردي: الفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب هو الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود إلى حال كان عليها من حال هو فيها، فصار كل مرجع منقلبا، وليس كل منقلب مرجعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب: إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".