تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ } الدنيا { أَعْمَى } عن الحق فلم يقبله ، ولم ينقد له ، بل اتبع الضلال . { فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى } عن سلوك طريق الجنة كما لم يسلكه في الدنيا ، { وَأَضَلُّ سَبِيلًا } فإن الجزاء من جنس العمل ، كما تدين تدان .

وفي هذه الآية دليل على أن كل أمة تدعى إلى دينها وكتابها ، هل عملت به أم لا ؟

وأنهم لا يؤاخذون بشرع نبي لم يؤمروا باتباعه ، وأن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه ومخالفته لها .

وأن أهل الخير ، يعطون كتبهم بأيمانهم ، ويحصل لهم من الفرح والسرور شيء عظيم ، وأن أهل الشر بعكس ذلك ، لأنهم لا يقدرون على قراءة كتبهم ، من شدة غمهم وحزنهم وثبورهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من أوتى كتابه بشماله فقال : { وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً } .

والمراد بالعمى هنا : عمى القلب لا عمى العين ، بدليل قوله - تعالى - : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } والمعنى : ومن كان من بنى آدم فى هذه الدنيا أعمى القلب ، مطموس البصيرة ، بسبب إيثاره الكفر على الإِيمان ، فهو فى الدار الآخرة أشد عمى وأضل سبيلاً منه فى الدنيا ، لأنه فى الدنيا كان فى إمكانه أن يتدارك ما فاته أما فى الآخرة فلا تدارك لما فاته .

وعبر - سبحانه - عن الذى أوتى كتابه بشماله بقوله - { وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى } للإِرشاد إلى العلة التى بسببها أصابه الشقاء فى الآخرة ، وهى - فقدانه النظر السليم ، وإيثاره الغى على الرشد ، والباطل على الحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

58

ومن عمي في الدنيا عن دلائل الهدى فهو في الآخرة أعمى عن طريق الخير . وأشد ضلالا . وجزاؤه معروف . ولكن السياق يرسمه في المشهد المزدحم الهائل ، أعمى ضالا يتخبط ، لا يجد من يهديه ولا ما يهتدي به ، ويدعه كذلك لا يقرر في شأنه أمرا ، لأن مشهد العمى والضلال في ذلك الموقف العصيب هو وحده جزاء مرهوب ؛ يؤثر في القلوب !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

عطف { ومن كان في هذه أعمى } عطف القسيم على قسيمه فهو من حَيز « أما » التفصيلية ، والتقدير : وأما من كان في هذه أعمى ، ولما كان القسيم المعطوف عليه هم من أوتوا كتابهم باليمين علم أن المعطوف بضد ذلك يؤتى كتابه بالشمال فاستغني عن ذكر ذلك وأتي له بصلة أخرى وهي كونه أعمى حكماً آخر من أحواله الفظيعة في ذلك اليوم .

والإشارة ب { هذه } إلى معلوم من المقام وهو الدنيا ، وله نظائر في القرآن . والمراد بالعمى في الدنيا الضلالة في الدين ، أطلق عليها العمى على وجه الاستعارة .

والمراد بالعمى في الآخرة ما ينشأ عن العمى من الحيرة واضطراب البال ، فالأعْمَى أيضاً مستعار لمشابه الأعمى بإحدى العلاقتين .

ووصف { أعمى } في المرتين مراد به مجرد الوصف لا التفضيل . ولما كان وجه الشبه في أحوال الكافر في الآخرة أقوى منه في حاله في الدنيا أشير إلى شدة تلك الحالة بقوله : { وأضل سبيلاً } القائم مقام صيغة التفضيل في العمَى لكون وصف ( أعمى ) غير قابل لأن يصاغ بصيغة التفضيل لأنه جاء بصيغة التفضيل في حال الوصف .

وعدل عن لفظ ( أشد ) ونحوه ما يتوسل به إلى التفضيل عند تعذر اشتقاق صيغة ( أفعل ) ليتأتى ذكر السبيل ، لما في الضلال عن السبيل من تمثيل حال العمى وإيضاحه ، لأن ضلال فاقد البصر عن الطريق في حال السير أشد وقعاً في الأضرار منه وهو قابع بمكانه ، فعدل عن اللفظ الوجيز إلى التركيب المطنب لما في الإطناب من تمثيل الحال وإيضاحه وإفظاعه وهو إطناب بديع . وقد أفيد بذلك أن عماه في الدارين عمى ضلال عن السبيل الموصل . ومعنى المفاضلة راجع إلى مفاضلة إحدى حالتيه على الأخرى في الضلال وأثره لا إلى حال غيره . فالمعنى : وأضل سبيلا منه في الدنيا .

ووجه كون ضلاله في الآخرة أشد أن ضلاله في الدنيا كان في مكنته أن ينجو منه بطلب ما يرشده إلى السبيل الموصل من هدي الرسول والقرآن مع كونه خلياً عن لحاق الألم به ، وأما ضلاله في الآخرة فهو ضلال لا خلاصَ منه وهو مقارن للعذاب الدائم ، فلا جرم كان ضلاله في الآخرة أدخل في حقيقة الضلال وماهيته .