بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

ثم قال الله تعالى : { وَمَن كَانَ في هذه أعمى } ، أي من كان في هذه النعم أعمى ، يعني : لم يعلم أنها من الله ، { فَهُوَ فِى الآخرة أعمى } عن حجته ، { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } ؛ يعني : عن حجته . قال مجاهد : { مَن كَانَ فِى *** هذه الدنيا *** أعمى } عن الحجة فهو في الآخرة أعمى عن الحجة { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } ، أي أخطأ طريقاً ؛ وقال قتادة : { مَن كَانَ فِى *** هذه الدنيا *** أعمى } عمَّا عاين من نعم الله وخلقه وعجائبه ، فهو في الآخرة التي هي غائبة عنه ولم يرها أعمى ؛ وقال مقاتل : فيه تقديم ومعناه { وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } . ومن كان عن هذه النعم أعمى ، فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة أعمى ؛ وقال الزجاج : معناه إذا عمي في الدنيا وقد تبين له الهدى وجعل إليه التوبة فعمي عن رشده ، فهو في الآخرة لا يجد متاباً ولا مخلصاً مما هو فيه ، فهو أشد عمًى وأضلّ سبيلاً أي أضل طريقاً ، لأنه لا يجد طريقاً إلى الهداية فقد حصل على عمله . وذكر عن الفرّاء أنه قال : تأويله من كان في هذه النعم التي ذكرتها أعمى ، لا يعرف حقها ولا يشكر عليها وهي محسوسة ، { فهو في الآخرة أعمى } ؛ يعني : أشد شكاً في الذي هو غائب عنه في الآخرة من الثواب والعقاب .