معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

وقوله : { وَمَن كَانَ فِي هذه أَعْمَى72 }

يعنى : في نِعم الدنيا التي اقتصَصْناها عليكم { فَهُوَ فِي الآخِرَةِ } في نعم الآخرة { أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً } .

والعرب إذا قالوا : هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفَعِيل ، ومالا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف . فإذا كان في فَعْللت مثل زخرفت ، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يَقولوا : هو أفعل منك ؛ إلا أن يقولوا : هو أشدّ حمرةً منكَ ، وأشدّ زخرفة منك . وإنما جاز في العَمَى لأنه لم يُرِد به عَمَى العين ، إنما أراد به - والله أعلم - عَمَى القلبِ . فيقال : فلان أعمى من فلان في القلب و ( لا تقل ) : هو أعمى منْه في العين . فذلك أنه لَما جاء على مذهب أحمر وحمراء تُرك فيه أفعل منك كما تُرك في كثيره . وقد تَلْقَى بعض النحويين يَقول : أُجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق ، لأنا قد نَقول : عمِي وزرِق وعرِج وعَشِي ولا نَقول : صَفِر ولا حمِر ولا بَيِض . وليس ذلك بشيء ، إنما يُنظر في هذا إلى ما كان لصَاحبه فيه فِعل يقِلّ أو يكثر ، فيكون أفعل دليلاً على قِلَّة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك قد تقول : فلان أقْوَم من فلان وأجمل ؛ لأنّ قيام ذا وجَمالَه قد يزيد على قيام الآخر وجماله ، ولا تقول لأعميين : هذا أعمى من هذا ، ولا لمّيتين : هذا أمْوت من هذا . فإِن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول : ما أسود شَعره . وسئِل الفراء عن الشيخ فقال : هذا بشّار الناقط . وقال الشاعر :

أما الملوكُ فأنت اليَوْمَ ألأَمُهم *** لُؤما وَأبيضُهم سِرْبالَ طبَّاخ

فمن قال هذا لزِمه أن يقول : اللهُ أبْيَضك والله أسْوَدك وما أسْوَدَك . ولُعبة للعرب يقولون أَبِيضى حالا وأَسِيدى حالا والعرب تقول مُسْوِدة مُبْيِضة إذا وَلَدَت السُودان والبِيضان وأكثر ما يقولون : مُوضحة إذا وَلَدت البيْضَان وقد يقولون مُسِيدة 101 ب .