غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

61

{ ومن كان في هذه } الدنيا { أعمى } لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب . وأما قوله : { فهو في الآخرة أعمى } فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله :

{ ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً } [ طه : 25 ] وفي هذا زيادة العقوبة . ويحتمل أن يراد عمى القلب . قال ابن عباس : المراد ومن كان أعمى في هذه النعم التي عددها من قوله : { ربكم الذي يزجى } إلى قوله : { تفضيلاً } فهو في الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى بالطريق الأولى ، لأن الضلال عن معرفة أحوال الآخرة أقرب وقوعاً ، فعلى هذا يكون الأعمى في الموضعين في الدنيا ، ومثله ما روى أبو روق عن الضحاك . من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرته في خلق السماء والأرض والبحار والجبال والناس والدواب ، فهو عن أمر الآخرة وتحصيل العلم به أعمى . قال المفسرون : لا يبعد أن يكون أعمى على هذا التفسير " أفعل " التفضيل ودليله قراءة أبي عمر وبإمالة الأول وتفخيم الثاني ، لأن الأول ألفه واقعة في الطرف فكانت عرضة للإمالة ومظنة لها بخلاف الثاني فإن تمامه بمن فكانت ألفه في حكم وسط الكلمة . هذا قول صاحب الكشاف تابعاً لأبي علي الفارسي . وأقول : في هذا الوجه نظر ، لأن الإمالة ليست مختصة بآخر الكلمة مثل " شيئان " " والكافرين " ونحوهما ولهذا قرىء بإمالة كليهما مع قيام هذا الاحتمال في الثاني ، ولعل من لم يمل الثاني راعى المشاكلة بينه وبين أضل والله أعلم . قال الحسن : في الآخرة أي في الدار الآخرة وذلك أنه في الدنيا تقبل توبته وفي الآخرة لا تقبل . وقيل : المراد بالعمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق الجنة وإلى طيباتها والابتهاج ، بها ولا يمكن أن يراد بها الجهل بالله لأن أهل الآخرة يعرفون الله بالضرورة .

/خ72