فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

ولم يذكر أصحاب الشمال تصريحاً ؛ ولكنه ذكر سبحانه ما يدلّ على حالهم القبيح فقال : { وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى } أي : من كان من المدعوّين في هذه الدنيا أعمى أي : فاقد البصيرة . قال النيسابوري : لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب ، وأما قوله : { فَهُوَ فِي الآخرة أعمى } فيحتمل أن يراد به : عمى البصر كقوله : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } [ طه : 124 125 ] وفي هذا زيادة العقوبة ، ويحتمل أن يراد عمى القلب ؛ وقيل : المراد بالآخرة : عمل الآخرة ، أي : فهو في عمل ، أو في أمر الآخرة أعمى ؛ وقيل : المراد : من عمي عن النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا فهو عن نعم الآخرة أعمى ؛ وقيل : من كان في الدنيا التي تقبل فيها التوبة أعمى فهو في الآخرة التي لا توبة فيها أعمى ؛ وقيل : من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله فهو في الآخرة أعمى ، وقد قيل : إن قوله : { فَهُوَ فِي الآخرة أعمى } أفعل تفضيل ، أي : أشدّ عمى ، وهذا مبنيّ على أنه من عمى القلب ، إذ لا يقال ذلك في عمى العين . قال الخليل وسيبويه : لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل ، فلا يقال ما أعماه كما لا يقال : ما أيداه . وقال الأخفش : لا يقال فيه ذلك لأنه أكثر من ثلاثة أحرف . وقد حكى الفراء عن بعض العرب أنه سمعه يقول : ما أسود شعره ، ومن ذلك قول الشاعر :

أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم *** لؤما وأبيضهم سربال طباخ

والبحث مستوفى في النحو . وقرأ أبو بكر ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف . ( أعمى ) بالإمالة في الموضعين . وقرأهما أبو عمرو ويعقوب والباقون بغير إمالة ، وأمال أبو عبيد الأوّل دون الثاني { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } يعني : أن هذا أضلّ سبيلاً من الأعمى لكونه لا يجد طريقاً إلى الهداية ، بخلاف الأعمى فقد يهتدي في بعض الأحوال .

/خ77