ثم قال [ تعالى{[41500]} ] : { ومن كان في هذه أعمى } [ 72 ] .
أي : في الدنيا يريد عمى العين عن الهدى فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا{[41501]} . [ يريد{[41502]} ] أنه يكون في الآخرة أعمى العين والقلب . وعلله أبو عمرو{[41503]} في إمالته الأول{[41504]} دون الثاني : أنه أراد أن يفرق بين المعنين : فأمال عمى العين وفتح عمى القلب للفرق{[41505]} .
وكان عمى القلب بالفتح{[41506]} أولى ، لأن الألف فيه [ في{[41507]} ] حكم{[41508]} المتوسط [ ة{[41509]} ] إذ تقديره : أعمى : منه في الدنيا .
وافعل الذي معه من هي من تمامه ولذلك صرف بعض العرب كل ما لا ينصرف إلا افعل منك لأن منك من{[41510]} تمامه ، وهو مذهب الكوفيين ، فلما كانت منك من تمامه صارت بمنزلة المضاف إليه ، والمضاف إليه لا يدخله التنوين فامتنع [ افعل{[41511]} ] منك من الصرف لذلك{[41512]} .
ويدل على أن الثاني من عمى القلب . أنه لو كان من عمى العين لم يقل فيه إلا : هو أشد أعمى من كذا لأن فيه معنى التعجب .
ومذهب المبرد : أنه لا إضمار مع أعمى الثاني من ولا غيرها ولا معنى للتعجب فيه والثاني عنده من عمى العين كالأول .
قال سيبويه والخليل : لم يقولوا : ما أعماه ، من عمى العين ، لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل ، فكما لا يقال : ما إيداه ، لا{[41513]} يقال : ما أعماه{[41514]} .
وقال الأخفش : لم يقل ذلك ، لأن فعله على أكثر من ثلاثة . والأصل{[41515]} فيه " اعماي{[41516]} . ولا يتعجب مما جاوز الثلاثة على لفظه . لا بد من : " أشد " و " أبين " ونحوه . لأن الهمزة لا تدخل على الهمزة فلا يكن{[41517]} بد من فعل ثلاثي تدخل عليه الهمزة . فأتى بأبين وأشد وأكثر ونحوه مما فيه المعنى المطلوب{[41518]} .
وقيل : إنما لم يقل : " ما أعماه " من عمى العين ، ليفرق ما بينه وبين " ما أعماه " من عمى القلب . وكذلك لم يقولوا : ما أسوده . من اللون ، للفرق بينه وبين ما اسوده من السؤدد ، ثم اتبع سائر الباب على ذلك ، لئلا يختلف{[41519]} .
وأجاز الفراء في الكلام والشعر ما أبيضه ، وحكي عن قوم جواز ما أعماه و[ ما ]{[41520]} أعشاه من عمى العين ، قال لأن فعله [ من{[41521]} ] عمي وعشي فهو ثلاثي{[41522]} .
وتحقيق معنى الآية : ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن الهدى والإسلام . فهو في الآخرة أشد عمى عن الرشد ، و ما يكسبه رضى{[41523]} ربه [ عز وجل ] والوصول إلى جنته [ تبارك وتعالى{[41524]} ] .
وقيل المعنى : ن كان في هذه الدنيا أعمى عن هذه النعم التي تقدم ذكرها : من تفضيل بني آدم وغير ذلك ، فهو في نعم{[41525]} الآخرة أعمى وأضل سبيلا . لأنه إذا عمي عما يعانيه{[41526]} في الدنيا من النعم ، فهو مما يعانيه{[41527]} من نعم{[41528]} الآخرة أعمى أيضا ، وأضل سبيلا{[41529]} . وقال ابن عباس : معناها : من عمي عن قدرة الله في هذه الدنيا فهو في الآخرة أشد عمى . وكذلك قال : مجاهد{[41530]} .
وقال قتادة : معناها من كان في هذه الدنيا أعمى عن الإيمان بالله [ عز وجل{[41531]} ] وتوحيده [ سبحانه{[41532]} ] مع ما عاين فيها من نعم الله وخلقه [ عز وجل{[41533]} ] وعجائبه وما أراه الله [ عز وجل{[41534]} ] من خلق السماوات والأرض والجبال [ والنجوم{[41535]} ] ، فهو في الإيمان بالآخرة الغائبة عنه _التي لم يرها- أشد عمى وأضل سبيلا . وهو قول ابن زيد{[41536]} .
ومعنى : { وأضل سبيلا } وأضل{[41537]} طريقا{[41538]} منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورءاها{[41539]} .
وهذا القول حسن مختار . لأن من لم يؤمن في الدنيا [ بالله عز وجل{[41540]} ] مع ما يرى من الآيات الظاهرة الدالات على توحيد الله [ سبحانه{[41541]} ] فهو أحرى ألا يؤمن بالآخرة التي لم يعاين أمرها وإنما هو خبر غائب عنه{[41542]} دعي [ إلى{[41543]} ] التصديق به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.