تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }

أي : فإذا فرغتم من صلاتكم ، صلاة الخوف وغيرها ، فاذكروا الله في جميع أحوالكم وهيئاتكم ، ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد . منها : أن القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالإنابة إلى الله تعالى في المحبة وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه .

وأعظم ما يحصل به هذا المقصود الصلاة ، التي حقيقتها أنها صلة بين العبد وبين ربه .

ومنها : أن فيها من حقائق الإيمان ومعارف الإيقان ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة . ومن المعلوم أن صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف فأمر بجبرها بالذكر بعدها .

ومنها : أن الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه ما هو مظنة لضعفه ، وإذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو ، والذكر لله والإكثار منه من أعظم مقويات القلب .

ومنها : أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالأعداء ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فأمر بالإكثار منه في هذه الحال إلى غير ذلك من الحِكَم .

وقوله : { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } أي : إذا أمنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وأبدانكم فأتموا صلاتكم على الوجه الأكمل ظاهرا وباطنا ، بأركانها وشروطها وخشوعها وسائر مكملاتها .

{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } أي : مفروضا في وقته ، فدل ذلك على فرضيتها ، وأن لها وقتا لا تصح إلا به ، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ودل قوله : { عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } على أن الصلاة ميزان الإيمان وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل ، ويدل ذلك على أن الكفار وإن كانوا ملتزمين لأحكام المسلمين كأهل الذمة - أنهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة ، ولا يؤمرون بها ، بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم ، وإن كانوا يعاقبون عليها وعلى سائر الأحكام في الآخرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين بالإِكثار من ذكره بعد الانتهاء من صلاتهم ، وشجعهم على مواصلة قتال أعدائهم بدون خوف أو ممل فقال - تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ . . . عَلِيماً حَكِيماً } .

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ( 103 ) وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 104 )

والمعنى : فإذا أديتم صلاة الخوف - أيها المؤمنون - على الوجه الذى بينته لكم وفرغتم منها { فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ } أى : فداوموا على الإِكثار من ذكر الله فى كل أحوالكم سواء أكنتم قائمين فى ميدان القتال ، أم قاعدين مستريحين ، أم مضطجعين على جنوبكم ، فإن ذكر الله - تعالى - الذى يتناول كل قول أو عمل يرضى الله - هو العبادة المستمرة التى بها تصفو النفوس ، وتنشرح الصدور ، وتطمئن القلوب . قال - تعالى - { الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } وإنما أمرهم - سبحانه - بالإِكثار من ذكره فى هذه الأحوال بصفة خاصة ، مع أن الإِكثار من ذكر الله مطلوب فى كل وقت ، لأن الإِنسان فى حالة الخوف ومقابلة الأعداء أحوج ما يكون إلى عون الله وتأييده ونصره ، والتضرع إلى الله بالدعاء فى هذه الأحوال يكون جديراً بالقبول والاستجابة .

قال - تعالى - { ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } والفاء فى قوله { فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة } للتفريع على ما قبله .

أى : فإذا ما سكنت نفوسكم من الخوف ، وأقمتم فى مساكنكم بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، فداوموا على أداء الصلاة على وجهها الذى كانت عليه قبل حالة الحرب ، وأتموا أركانها وشروطها وآدابها وخشوعها .

وقوله { إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً } تذييل المقصود به تأكيد ما قبله من الأمر بالمحافظة على الصلاة .

أى : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا محددا بأوقات لا يجوز مجاوزتها بل لا بد من أدائها فى أوقاتها سفرا وحضرا ، وأمنا وخوفا .

والمراد بالكتاب هنا : المتكوب . وبالموقوت : المحدد بأوقات من وقت كمضروب من ضرب .

وقد رجح ابن جرير هذا المعنى بقوله : وأولى المعانى بتأويل الكملة قول من قال : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا موقوتا . أى فرضا وقت لهم وقت وجوب أدائه . لأن الموقوت إنما هو مفعول من قول القائل : وقت الله عليك فرضه فهو يقته . ففرضه عليك موقوت ، إذا أخبر أنه جعل له وقتا يجب عليك أداؤه .

وقد أكد الله - تعالى - فرضية الصلاة ووجوب أدائها فى أوقاتها بإن المفيدة للتأكيد ، وبكان المفيدة للدوام والاستمرار . وبالتعبير عن الصلاة بأنها كتاب ، وهو تعبير عن الوصف بالمصدر فيفيد فضل توكيد ، وبقوله { عَلَى المؤمنين } فإن هذا التركيب يفيد الإِلزام والحتمية . وكل ذلك لكى يحافظ المؤمنون عليها محافظة تامة دون أن يشغلهم عنها شاغل ، أو يحول بينهم وبين أدائها حائل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

95

( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم . فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة . إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا ) . .

وهكذا يوجههم إلى الاتصال بالله في كل حال ، وفي كل وضع ، إلى جانب الصلاة . . فهذه هي العدة الكبرى ، وهذا هو السلاح الذي لا يبلى . .

فأما حين الاطمئنان ( فأقيموا الصلاة ) . . أقيموها كاملة تامة بلا قصر - قصر الخوف الذي تحدثنا عنه - فهي فريضة ذات وقت محدد لأدائها . ومتى زالت أسباب الرخصة في صفة من صفاتها عادت إلى صفتها المفروضة الدائمة .

ومن قوله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا ) . . يأخذ الظاهرية رأيهم في عدم قضاء الفائتة من الصلاة لأنها لا تجزي ولا تصح . لأن الصلاة لا تصح إلا في ميقاتها المعين . فمتى فات الميقات ، فلا سبيل لإقامة الصلاة . . والجمهور على صحة قضاء الفوائت . وعلى تحسين التبكير في الأداء ، والكراهية في التأخير . . ولا ندخل بعد هذا في تفصيلات الفروع . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف ، وإن كان مشروعا مرغبا فيه أيضا بعد غيرها ، ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها ، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك ، مما ليس يوجد في غيرها ، كما قال تعالى في{[8245]} الأشهر الحرم : { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [ التوبة : 36 ] ، وإن كان هذا منهيا عنه في غيرها ، ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمها ؛ ولهذا قال تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } أي في سائر أحوالكم .

ثم قال : { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } أي : فإذا أمنتم وذهب الخوف ، وحصلت الطمأنينة { فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } أي : فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها ، وخشوعها ، وسجودها وركوعها ، وجميع شئونها .

وقوله : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال ابن عباس : أي مفروضا . وكذا روي عن مجاهد ، وسالم بن عبد الله ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، والحسن ، ومقاتل ، والسدي ، وعطية العوفي .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا{[8246]} كوقت الحج .

وقال زيد بن أسلم : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال : منجما ، كلما مضى نجم ، جاءتهم يعني : كلما مضى وقت جاء وقت .


[8245]:في أ: "حين ذكر".
[8246]:في د، ر: "للصلاة وقت".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف ، على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله{[4264]} ، فهو ذكر باللسان ، وذهب إلى أن { قضيتم } بمعنى فعلتم ، أي إذا تلبستم بالصلاة فلتكن على هذه الهيئات بحسب الضرورات : المرض ، وغيره ، وبحسب هذه الآية رتب ابن المواز صلاة المريض فقال : يصلي قاعداً فإن لم يطق فعلى جنبه الأيمن ، فإن لم يطق فعلى الأيسر ، فإن لم يطق فعلى الظهر ، ومذهب مالك في المدونة التخيير ، لأنه قال : فعلى جنبه أو على ظهره ، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنه قال : يبتدىء بالظهر ثم بالجنب ، قال ابن حبيب : وهو وهم ، قال اللخمي : وليس بوهم ، بل هو أحكم في استقبال القبلة ، وقال سحنون : يصلي على جنبه الأيمن كما يجعل في قبره ، فإن لم يقدر فعلى ظهره ، و «الطمأنينة » في الآية : سكون النفس من الخوف ، وقال بعض المتأولين : المعنى : فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعاً ، وقوله تعالى : { كتاباً موقوتاً } معناه : منجماً في أوقات ، هذا ظاهر اللفظ ، وروي عن ابن عباس : أن المعنى مفروضاً ، فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة .


[4264]:- في قوله تعالى في الآية (200) من سورة البقرة: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}.