تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

{ 72 } { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده ، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها ، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم ، ويقضون حوائجهم ، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة ، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب ، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها .

{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا ، ثم أوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم ، فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الأمر شيئا ، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله ، فإنها باطلة ، فكيف يتخذها المشركون من دون الله ؟ "

{ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به ، هل هذا إلا من أظلم الظلم وأفجر الفجور وأسفه السفه ؟ . "

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

ثم ذكرت السورة الكريمة بعد ذلك نعمة أخرى من نعم الله - تعالى - على الناس ، فقال - تعالى - : { والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } .

أي : والله - تعالى - هو وحده الذي جعل لكم { من أنفسكم } ، أي : من جنسكم ونوعكم { أزواجا } لتسكنوا إليها ، وتستأنسوا بها ، فإن الجنس إلى الجنس آنس وأسكن .

قال - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً . . . } قال الإِمام ابن كثير : " يذكر - تعالى - نعمه على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا ، أي : من جنسهم وشكلهم ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة ، ولكن من رحمته أنه خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإِناث أزواجا للذكور . . . " .

وقوله - سبحانه - : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، بيان لنعمة أخرى من نعمه - تعالى - والحفدة : جمع حافد ، يقال : حفد فلان ، يحفد حفدا : من باب ضرب ، إذا أسرع فى خدمة غيره وطاعته . ومن دعاء القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ، أي : نسرع في طاعتك ياربنا . والمراد بالحفدة : أبناء الأبناء . روي عن ابن عباس أنه قال : الحفيد : ولد الابن والبنت ، ذكرا كان أو أنثى . وقيل : المراد بهم : الخدم والأعوان ، وقيل : المراد بهم : الأَختان والأصهار ، أي : أزواج البنات وأقارب الزوجة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

51

واللمسة الثالثة في الأنفس والأزواج والأبناء والأحفاد وتبدأ بتقرير الصلة الحية بين الجنسين : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) فهن من أنفسكم ، شطر منكم ، لا جنس أحط يتوارى من يبشر به ويحزن ! ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) والإنسان الفاني يحس الامتداد في الأبناء والحفدة ، ولمس هذا الجانب في النفس يثير أشد الحساسية . . ويضم إلى هبة الأبناء والأحفاد هبة الطيبات من الرزق للمشاكلة بين الرزقين ليعقب عليها بسؤال استنكاري : ( أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ؟ ) فيشركون به ويخالفون عن أمره . وهذه النعم كلها من عطائه . وهي آيات على ألوهيته وهي واقعة في حياتهم ، تلابسهم في كل آن . .

أفبالباطل يؤمنون ؟ وما عدا الله باطل ، وهذه الآلهة المدعاة ، والأوهام المدعاة كلها باطل لا وجود له ، ولا حق فيه . وبنعمة الله هم يكفرون ، وهي حق يلمسونه ويحسونه ويتمتعون به ثم يجحدونه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

يذكر تعالى نعمه{[16575]} على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [ وزيهم ]{[16576]} ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ، لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور .

ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم : أولاد البنين . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد .

قال شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، هم : الولد ، وولد الولد .

وقال سُنَيْد : حدثنا حجاج عن أبي بكر ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك . قال جميل :

حفَد الولائد حَوْلهُن وأسلمت *** بِأكُفِّهن أزِمَّةَ الأجْمَال{[16577]}

وقال مجاهد : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، ابنه وخادمه . وقال في رواية : الحفدة : الأنصار والأعوان والخدام .

وقال طاوس : الحفدة : الخدم{[16578]} ، وكذا قال قتادة ، وأبو مالك ، والحسن البصري .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة أنه قال : الحفدة : مَنْ خَدَمَك من ولدك وولد ولدك{[16579]} .

قال الضحاك : إنما كانت العرب يخدمها بنوها .

وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، يقول : بنو امرأة الرجل ، ليسوا منه . ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا قال : ويزعم{[16580]} رجال أن الحفدة : أخْتَان الرجل .

وهذا [ القول ]{[16581]} الأخير الذي ذكره ابن عباس ، قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وأبو الضُّحى ، وإبراهيم النَّخَعيّ ، وسعيد بن جُبَيْر ، ومجاهد ، والقُرَظي . ورواه عكرمة ، عن ابن عباس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم الأصهار .

قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى : " الحَفْد " ، وهو : الخدمة ، الذي منه قوله في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ، ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم{[16582]} ، فالنعمة حاصلة بهذا كله ؛ ولهذا{[16583]} قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } .

قلت : فمن جعل : { وَحَفَدَةً } ، متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ؛ لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال{[16584]} الشعبي والضحاك ، فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجْره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] {[16585]} والسلام في حديث بَصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود{[16586]} .

وأما من جعل الحَفَدة هم الخدم ، فعنده أنه معطوف على قوله : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد{[16587]} .

{ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } ، من المطاعم والمشارب .

ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } ، وهم{[16588]} : الأصنام والأنداد ، { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : يسترون نعم الله عليهم ، ويضيفونها إلى غيره .

وفي الحديث الصحيح : " إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتَرْبع{[16589]} ؟ " {[16590]} .


[16575]:في ف، أ: "نعمته".
[16576]:زيادة من ت، ف، أ.
[16577]:البيت في تفسير الطبري (14/ 98) ونسبه لحميد.
[16578]:في ت: "الخدام".
[16579]:تفسير عبد الرزاق (1/ 309).
[16580]:في ف: "وزعم".
[16581]:زيادة من أ.
[16582]:في ت، ف: "والخدم".
[16583]:في ف: "لهذا".
[16584]:في ت، ف: "قاله".
[16585]:زيادة من ف، أ.
[16586]:سنن أبي داود برقم (2131).
[16587]:في أ: "وجعل لكم خدامًا".
[16588]:في ت: "وهو".
[16589]:في ت، ف: "وترتع".
[16590]:رواه مسلم في صحيحه برقم (2968) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَاللّهُ الذي جَعَلَ لَكُمْ أيها الناس مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا ، يعني : أنه خلق آدم زوجته حوّاء ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزواجكم بنين وحَفَدةً ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا } : أي : والله خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، ثم جعل لكم بنين وحفدة .

واختلف أهل التأويل في المعنيين بالحفدة ، فقال بعضهم : هم : الأختان ، أختان الرجل على بناته . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا أبان بن تغلب ، عن المنهال بن عمرو ، عن ابن حبيش ، عن عبد الله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الأَخْتان .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن عاصم ، عن ورقاء سألت عبد الله : ما تقول في الحَفَدَة ؟ هم حَشَم الرجل يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : لا ، ولكنهم الأختان .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قالا جميعا : حدثنا سفيان ، عن عاصم بن بَهْدَلة ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن عبد الله ، قال : الحَفَدة : الأختان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان بإسناده عن عبد الله ، مثله .

حدثنا ابن بشار وأحمد بن الوليد القرشي وابن وكيع وسوار بن عبد الله العنبريّ ومحمد بن خلف بن خِراش والحسن بن خلف الواسطيّ ، قالوا : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، قال : الحَفَدة : الأختان .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا هشيم ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الحَفَدة : الأختان .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الحَفَدة : الأختان .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الحَفَدَة : الخَتْن .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله ، قال : الأختان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الأختان .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ عن ابن عباس ، قوله : { وحَفَدَةً } ، قال : الأصهار .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن ابن مسعود ، قال : الحَفَدة : الأختان .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، قال : قال لي عبد الله بن مسعود : ما الحفَدة يا زِرّ ؟ قال : قلت : هم أحفاد الرجل من ولده وولد ولده . قال : لا ، هم الأصهار .

وقال آخرون : هم أعوان الرجل وخدمه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سليم بن قتيبة ، عن وهب بن حبيب الأَسَدي ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، سئل عن قوله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : من أعانك فقد حَفَدك ، أما سمعت قوله الشاعر :

حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلُهنّ وأُسْلِمَتْ *** بأكُفّهِنّ أزِمّةُ الأجْمالِ

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الحفدة : الخُدّام .

حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سَلْم بن قتيبة ، عن حازم بن إبراهيم البَجَلي ، عن سماك ، عن عكرمة ، قال : قال : الحَفَدة : الخُدّام .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن عكرمة ، قال : هم الذين يُعينون الرجل من ولده وخدمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحكَم بن أبان ، عن عكرمة : { وَحَفَدَةً } ، قال : الحَفدة : من خدمك مِنْ ولدك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سلام بن سليم ، وقيس عن سمِاك ، عن عكرمة ، قال : هم الخدم .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سلام أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، مثله .

حدثني محمد بن خالد ، قال : ثني سلمة ، عن أبي هلال ، عن الحسن ، في قوله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : البنين وبني البنين ، مَن أعانك من أهل ، وخادم فقد حفدك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : هم الخَدَم .

حدثني محمد بن خالد وابن وكيع ، ويعقوب بن إبراهيم ، قالوا : حدثنا إسماعيل بن عُلَية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الحَفَدة : الخَدَم .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، جميعا عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : ابنه وخادمه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : أنصارا وأعوانا وخدّاما .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا زمعة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : الحفدة : الخدم .

حدثنا ابن بشار مرّة أخرى ، قال : ابنه وخادمه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، مَهَنة يَمْهنونك ويخدمونك من ولدك ، كرامة أكرمكم الله بها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السّديّ ، عن أبي مالك : الحَفَدة ، قال : الأعوان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن عكرمة ، قال : الذين يعينونه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمر ، عن الحكَم بن أبان ، عن عكرمة ، في قوله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الحفدة : من خدمك من ولدك ، وولد ولدك .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن التيميّ ، عن أبيه ، عن الحسن ، قال : الحَفَدة : الخَدَم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عكرمة : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : ولده الذين يعينونه .

وقال آخرون : هم ولد الرجل وولد ولده . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَحَفَدَةً قال : هم الولد وولد الولد .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الحَفَدة : البنون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غُنْدَر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك ، قال حميد :

حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهُنّ وأُسْلِمَتْ *** بِأَكُفّهِنّ أزِمّةَ الأجمْالِ

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، قال : الحفَدة : الخدم من ولد الرجل ، هم ولده ، وهم يخدمونه . قال : وليس تكون العبيد من الأزواج ، كيف يكون من زوجي عبد ؟ إنما الحفدة : ولد الرجل وخدمه .

حُدثت عن الحسين بن الفَرَج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، يعني : ولد الرجل يحفِدونه ويخدُمونه ، وكانت العرب إنما تخدمهم أولادهم الذكور .

وقال آخرون : هم بنو امرأة الرجل من غيره . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، يقول : بنو امرأة الرجل ليسوا منه .

ويقال : الحَفَدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقول : فلان يحفد لنا ، ويزعم رجال أن الحفَدة : أخْتان الرجل .

والصواب من

القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى أخبر عباده معرفَهم نعمه عليهم ، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين ، فقال تعالى : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، فأعلمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحَفدة ، والحفَدة في كلام العرب : جمع حافد ، كما الكذبة : جمع كاذب ، والفسَقة : جمع فاسق . والحافد في كلامهم : هو المتخفّف في الخدمة والعمل ، والحَفْد : خفة العمل يقال : مرّ البعير يحَفِدُ حفَدَانا : إذا مرّ يُسرع في سيره . ومنه قولهم : «إليك نسعى ونَحْفِدُ » : أي : نسرع إلى العمل بطاعتك . يقال منه : حَفَدَ له يَحْفِدُ حَفْدا وحُفُودا وحَفَدَانا ، ومنه قول الراعي :

كَلّفْتُ مَجْهُوَلَها نُوقا يَمَانيَةً *** إذا الحُدَاةُ على أكْسائها حَفَدُوا

وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنهم المسرعون في خدمة الرجل المتخففون فيها ، وكان الله تعالى ذكره أخبرنا أن مما أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا ، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلحون للخدمة منا ومن غيرنا ، وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا ، وخدمنا من مماليكنا ، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقون اسم حفدة ، ولم يكن الله تعالى دلّ بظاهر تنزيله ، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا بحجة عقل ، على أنه عنى بذلك نوعا من الحفدة دون نوع منهم ، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا ، لم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى خاصّ من الحفدة دون عام ، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم . وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا ، وجه في الصحة ومَخْرج في التأويل ، وإن كان أولى بالصواب من القول ما اخترنا لما بيّنا من الدليل .

وقوله : { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّباتِ } ، يقول : ورزقكم من حلال المعاش والأرزاق والأقوات . { أفَبالباطِلِ يُؤْمِنُونَ } ، يقول تعالى ذكره : يحرّم عليهم أولياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل ، فيصدّق هؤلاء المشركون بالله . { وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، يقول : وبما أحلّ الله لهم من ذلك ، وأنعم عليهم بإحلاله ، { يَكْفُرُونَ } ، يقول : ينكرون تحليله ، ويجحدون أن يكون الله أحلّه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } ، أي : من جنسكم لتأنسوا بها ، ولتكون أولادكم مثلكم . وقيل : هو خلق حواء من آدم . { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، وأولاد أولاد أو بنات ، فإن الحافد : هو المسرع في الخدمة ، والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة . وقيل : هم : الأختان على البنات . وقيل الربائب ، ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم ، والعطف لتغاير الوصفين . { ورزقكم من الطيبات } ، من اللذائذ أو الحلالات ، و{ من } ، للتبعيض ، فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها . { أفبالباطل يؤمنون } ، وهو : أن الأصنام تنفعهم ، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب . { وبنعمة الله هم يكفرون } ، حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام ، أو حرموا ما أحل الله لهم ، وتقديم الصلة على الفعل : إما للاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة ، أو للمحافظة على الفواصل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

عطف على التي قبلها ، وهو استدلال ببديع الصنع في خلق النسل إذ جعل مقارناً للتأنّس بين الزوجين ، إذ جعل النسل منهما ولم يجعله مفارقاً لأحد الأبوين أو كليهما .

وجعل النسل معروفاً متصلاً بأصوله بما ألهمه الإنسان من داعية حفظ النسب ، فهي من الآيات على انفراده تعالى بالوحدانية كما قال تعالى في سورة الروم ( 21 ) : { ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } فجعلها آية تنطوي على آيات ، ويتضمّن ذلك الصنع نعماً كثيرة ، كما أشار إليه قوله تعالى : { وبنعمت الله هم يكفرون } .

والقول في جملة { والله جعل لكم } كالقول في نظيرتيها المتقدمتين .

واللام في { جعل لكم } لتعدية فعل { جعل } إلى ثانٍ .

ومعنى { من أنفسكم } من نوعكم ، كقوله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتاً فسَلّموا على أنفسكم } [ سورة النور : 21 ] أي على الناس الذين بالبيوت ، وقوله : { رسولا من أنفسهم } [ سورة آل عمران : 164 ] وقوله : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [ سورة البقرة : 85 ] .

والخطاب بضمير الجماعة المخاطبين موجّه إلى الناس كلّهم ، وغلب ضمير التذكير .

وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكوّناً من نوعه ، ولو لم يجعل له ذلك لاضطُرّ الإنسان إلى طلب التأنّس بنوع آخر فلم يحصل التأنّس بذلك للزوجين . وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان فهي نعمة يدركها الإنسان ولا يدركها غيره من الأنواع . وليس من قوام ماهيّة النّعمة أن ينفرد بها المنعم عليه .

والأزواج : جمع زوج ، وهو الشيء الذي يصير مع شيء آخر اثنين ، فلذا وصف بزوج المرادف لثان . وقد مضى الكلام عليه في قوله تعالى : { اسكن أنت وزوجك الجنة } في [ سورة البقرة : 35 ] .

والوصف بالزوج يؤذن بملازمته لآخر ، فلذا سمّي بالزوج قرين المرأة وقرينةُ الرجل . وهذه نعمة اختصّ بها الإنسان إذ ألهمه الله جعل قرين له وجبله على نظام محبّة وغيرة لا يسمَحان له بإهمال زوجه كما تُهمل العجماوات إناثها وتنصرف إناثها عن ذكورها .

و { من } الداخلة على { أنفسكم } للتّبعيض .

وجعل البنين للإنسان نعمة ، وجعل كونهم من زوجة نعمة أخرى ، لأن بها تحقّق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر ودوام اتّصالهم به بالنّسبة ، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم .

و { من } الداخلة على { أزواجكم } للابتداء ، أي جعل لكم بنين منحدرين من أزواجكم .

والحفدة : جمع حافد ، مثل كَملة جمع كامل . والحافد أصله المسرع في الخدمة . وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جدّه لضعف الجدّ بسبب الكبر ، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع .

وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلاً ولا يَشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبَة من الإرضاع . والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة ، قال تعالى : { فبشرّناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } [ سورة هود : 71 ] . وقد عملت من } الابتدائية في { حفدة } بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة .

وجملة { ورزقكم من الطيبات } معطوفة على جملة { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } وما بعدها ، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمّن المنّة بنعمة أفراد العائلة ، فإن من مكمّلاتها سعة الرزق ، كما قال تعالى في آل عمران { زيّن للناس حبّ الشّهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة } [ سورة النحل : 14 ] الآية . وقال طرفة :

فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي *** بنون كرام سادة لمسود

فالمال والعائلة لا يروق أحدها بدون الآخر .

ثم الرزق يجوز أن يكون مراداً منه المال كما في قوله تعالى في قصة قارون : { وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأنّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر } [ سورة القصص : 82 ] . وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفاً . ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيّبة ، كما في قوله تعالى : { وجد عندها رزقاً } [ سورة آل عمران : 37 ] و { من } تبعيضية .

و { الطيبات } : صفة لموصوف محذوف دلّ عليه فعل رزقكم ، أي الأرزاق الطيّبات . والتأنيث لأجل الجمع . والطيّب : فَيْعِلٍ صفة مبالغة في الوصف بالطّيِب . والطِيبُ : أصله النزاهة وحسن الرائحة ، ثم استعمل في الملائم الخالص من النّكد ، قال تعالى : { فلنحيينه حياة طيبة } [ سورة النحل : 97 ] . واستعمل في الصالح من نوعه كقوله تعالى : { والبلد الطيّب يخرج نباته بإذن ربه } في سورة الأعراف ( 58 ) . ومنه قوله تعالى : { الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين } [ سورة النحل : 32 ] وقد تقدم آنفاً .

فالطيّبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة للناس كما ذكر في الآية في سورة آل عمران ؛ أو المطعومات والمشروبات اللذيذة الصالحة . وقد تقدم ذكر الطيّبات عند قوله تعالى : { اليوم أحل لكم الطيّبات } في سورة العقود ( 5 ) ، وذكر الطيّب في قوله تعالى : { كلوا مما في الأرض حلالاً طيّباً } في سورة البقرة ( 168 ) .

وفرع على هذه الحجّة والمنّة استفهامُ توبيخ على إيمانهم بالباطل البيّن ، فتفريع التوبيخ عليه واضح الاتجاه .

والباطل : ضد الحقّ لأن ما لا يخلق لا يُعبد بحقّ . وتقديم المجرور في قوله تعالى : { أفبالباطل } على متعلّقه للاهتمام بالتعريف بباطلهم .

والالتفات عن الخطاب السابق إلى الغيبة في قوله تعالى : { أفبالباطل } يجري الكلام فيه على نحو ما تقدم في قوله تعالى : { أفبنعمة الله يجحدون } [ سورة النحل : 71 ] .

وقوله تعالى : { وبنعمت الله هم يكفرون } عطف على جملة التوبيخ ، وهو توبيخ متوجّه على ما تضمّنه قوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } إلى قوله : { ورزقكم من الطيبات } من الامتنان بذلك الخلق والرزق بعد كونهما دليلاً على انفراد الله بالإلهية .

وتقديم المجرور في قوله تعالى : { بنعمت الله هم يكفرون } على عامله للاهتمام .

وضمير الغيبة في قوله تعالى : { هم يكفرون } ضمير فصل لتأكيد الحكم بكفرانهم النّعمة لأن كفران النّعمة أخفى من الإيمان بالباطل ، لأن الكفران يتعلّق بحالات القلب ، فاجتمع في هذه الجملة تأكيدان : التأكيد الذي أفاده التقديم ، والتأكيد الذي أفاده ضمير الفصل .

والإتيان بالمضارع في { يؤمنون } و { يكفرون } للدّلالة على التجدّد والتّكرير .

وفي الجمع بين { يؤمنون } و { يكفرون } محسنّ بديع الطباق .