تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ 68-70 } { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

هذه الآيات ، فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات ، ونفوذ مشيئته بجميع البريات ، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه ، من الأشخاص ، والأوامر [ والأزمان ] والأماكن ، وأن أحدا{[611]}  ليس له من الأمر والاختيار شيء ، وأنه تعالى منزه عن كل ما يشركون به ، من الشريك ، والظهير ، والعوين ، والولد ، والصاحبة ، ونحو ذلك ، مما أشرك به المشركون ،


[611]:- في هامش أ: كل.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

ثم بين - سبحانه - أن مرد الأمور جميعها إليه ، وأنه هو صاحب الخلق والأمر فقال : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } .

أى : وربك - أيها الرسول الكريم - يخلق ما يشاء أن يخلقه ، ويختار من يختار من عباده لحمل رسالته ، ولتبليغ دعوته . { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } و { مَا } فى قوله - تعالى { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } نافية والخيرة من التخير وهى بمعنى الاختيار ، والجملة مؤكدة لما قبلها من أنه - سبحانه - يخلق ما يشاء ويختار .

أى : وربك وحده يخلق ما يشاء خلقه ويختار ما يشاء اختياره لشئون عباده ، وما صح وما استقام لهؤلاء المشركين أن يختاروا شيئا لم يختره الله - تعالى - أو لم يرده ، إذ كل شىء فى هذا الوجود خاضع لإرادته وحده - عز وجل - ولا يملك أحد كائنا من كان أن يقترح عليه شيئا ولا أن يزيد أو ينقص فى خلقه شيئا .

وليس هؤلاء المشركين أن يختاروا للنبوة أو لغيرها أحدا لم يختره الله - تعالى - لذلك ، فالله -عز وجل - أعلم حيث يجعل رسالته .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } أى : ليس يرسل من اختاروه هم .

وقيل : يجوز أن تكون { مَا } فى موضع نصب بيختار ، ويكون المعنى ، ويختار الذى كان لهم فيه الخيرة .

والصحيح الأول لإطباقهم الوقف على قوله { وَيَخْتَارُ } ، و { مَا } نفى عام لجميع الأشياء ، أن يكون للعبد فيها شىء سوى اكتسابه بقدرة الله - عز وجل - .

وقال الثعلبى : و { مَا } نفى ، أى ليس لهم الاختيار على الله . وهذا أصوب ، كقوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ . . } وقوله - تعالى - : { سُبْحَانَ الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه له - عز وجل - عن الشرك والشركاء .

أى تنزه الله - تعالى - وتقدس بذاته وصفاته عن إشراك المشركين ، وضلال الضالين .