تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

{ وَكَذَلِكَ } حين أوحينا إلى الرسل قبلك { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } وهو هذا القرآن الكريم ، سماه روحا ، لأن الروح يحيا به الجسد ، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح ، وتحيا به مصالح الدنيا والدين ، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير .

وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين ، من غير سبب منهم ، ولهذا قال : { مَا كُنْتَ تَدْرِي } أي : قبل نزوله عليك { مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } أي : ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة ، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية ، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ ، فجاءك هذا الكتاب الذي { جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع ، والأهواء المردية ، ويعرفون به الحقائق ، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم .

{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي : تبينه لهم وتوضحه ، وتنيره وترغبهم فيه ، وتنهاهم عن ضده ، وترهبهم منه ، ثم فسر الصراط المستقيم فقال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان .

. } .

والكاف فى قوله " كذلك " بمعنى مثل واسم الإِشارة يعود إلى ما أوحاه إلى الرسل السابقين .

والمراد بالروح : القرآن - وسماه - سبحانه - روحا ، لأن الأرواح تحيا به ، كما تحيا الأبدان بالغذاء المادى .

أى : ومثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل ، أوحينا إليك - أيها الرسول الكريم ، هذا القرآن ، الذى هو بمنزلة الأرواح للأجساد ، وقد أوحيناه إليك بأمرنا وإرادتنا ومشيئتنا ، وأنت - أيها الرسول الكريم - ما كنت تعرف أو تدرك حقيقة هذا الكتاب حتى عرفناك إياه ، وما كنت تعرف أو تدرك تفاصيل ، وشرائع وأحكام هذا الذين الذى أحينا إليك بعد النبوة .

فالمقصود بهذه الآية الكريمة نفى علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا القرآن قبل النبوة ، ونفى أن يكون - أيضا - عالما بتفاصيل وأحكام هذا الدين لا نفى أصل الإِيمان .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً } وقوله - سبحانه - : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } والضمير فى قوله - تعالى - : { ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } يعود إلى القرآن الكريم ، الذى عبر عنه بالروح .

أى : ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نورا ساطعا ، نهدى به من نشاء هدايته من عبادنا { وَإِنَّكَ } أيها الرسول الكريم { لتهدي } من أرسلناك إليهم { إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أى طريق واضح قويم اعوجاج فيه ولا التواء .