بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

قوله تعالى : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بالجنود } ، يعني فتجهز طالوت وخرج بالجنود وهم سبعون ألفاً ، فصاروا في حر شديد ، فأصابهم عطش شديد ، فسألوا طالوت الماء . ف { قَالَ } لهم طالوت : { إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ } وهو بين الأردن وفلسطين ؛ وإنما كان الابتلاء ليظهر عند طالوت من كان مخلصاً في نيته من غيره ؛ وأراد أن يميز عنهم من لا يريد القتال ، لأن من لا يريد القتال إذا خالط العسكر ، يدخل الضعف والوهن في العسكر ، لأنه إذا انهزم وهرب ضعف الباقون .

ويقال : إن أشمويل هو الذي أخبر طالوت بالوحي ، حتى أخبر طالوت قومه حيث قال : { إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي } ، يعني ليس معي على عدوي ، إذا شرب بغير غرفة . { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي } ، يعني لم يشرب منه يعني غرفة . { فَإِنَّهُ مِنّي } ، أي معي على عدوي { إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ } . قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : { غُرْفَةً } بنصب الغين ، وقرأ الباقون برفع الغين . فمن قرأ بالنصب ، يكون مصدر غرفة ، أي مرة واحدة باليد . ومن قرأ بالضم ، هو ملء الكف وهو اسم الماء مثل : الخَطوة والخُطوة . قال بعض المفسرين : الغَرفة بكف واحدة والغُرفة بالكفين . وقال بعضهم : كلاهما لغتان ومعناهما واحد .

فلما خرجوا من المفازة وقد أصابهم العطش ، وقفوا في النهر ، { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } بغير غرفة { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوم بدر : « أَنْتُمْ عَلَى عَدَدِ المُرْسَلِينَ وَعَدَدِ قَوْمِ طَالوتَ ثَلاثمائةٍ وثلاثة عشر » ، فأمر من شرب بغير غرفة أن يرجعوا . ويقال : قد ظهر على شفاههم علامة ، عرف بها من شرب من الذي لم يشرب ، فردهم وأمسك المخلصين منهم .

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ } ، يعني جاوز النهر . { هُوَ } ، يعني طالوت { والذين آمَنُواْ مَعَهُ } ودنوا إلى عسكر جالوت ، وكان معه مائة ألف فارس كلهم شاكون في السلاح . { قَالُواْ } ، أي المؤمنون : { لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ، لما رأوا من كثرتهم . { قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله } ، يعني أيقنوا بالموت لما رأوا من كثرة العدو فأيقنوا بهلاك أنفسهم . ويقال : أيقنوا بالبعث بعد الموت وهو قوله : { قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله } ، وهم أهل العلم منهم : { كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } ، يعني كم من جند قليل ، { غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً } عدتهم { بِإِذُنِ الله } ، أي بنصر الله وأمره ، إذا خلصت نيتهم ، وطابت أنفسهم بالموت في طاعة الله { والله مَعَ الصابرين } بالنصرة على عدوهم أي معينهم .