بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (45)

{ إِذْ قَالَتِ الملائكة يا مريم } يعني جبريل عليه السلام وحده { إِنَّ الله يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } قرأ نافع وعاصم وابن عامر { يُبَشّرُكِ } بالتشديد في جميع القرآن .

وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بالتشديد في جميع القرآن إلا في { حم ، عسق } { ذَلِكَ الذي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات قُل لاَّ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة في القربى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ } [ الشورى : 23 ] بالتخفيف ، وقرأ حمزة بالتخفيف إلا في قوله { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى على أَن مسني الكبر فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] ووافقه الكسائي في بعضها ، فمن قرأ بالتشديد ، فهو من المباشرة ، ومن قرأ بالتخفيف ، فمعناه يفرحك ، وكانت قصة البشارة أن مريم لما طهرت من الحيض ، ودخلت المغتسل كما قال في سورة مريم ، { واذكر في الكتاب مَرْيَمَ إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [ مريم : 16 ] ، يعني أرادت أن تغتسل في جنب المشرفة ، فلما دخلت المغتسل ، رأت بشراً كهيئة الإنسان كما قال { فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً فأرسلنا إليها رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [ مريم : 17 ] ، فخافت مريم ، ثم قالت : { قَالَتْ إني أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [ مريم : 18 ] ، لأن التقي يخاف الرحمن . فقال لها جبريل : { قَالَ إنما أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأهب لَكِ غلاما زَكِيّاً } [ مريم : 19 ] ، وذكرها هنا بلفظ آخر . ومعناه واحد قال : { إِذْ قَالَتِ الملائكة يا مريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين } [ آل عمران : 45 ] ، أي بولد بغير أب يصير مخلوقاً بكلمة من الله ، وهو قوله كن فكان { اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ } ويقال إنما سمي المسيح ، لأنه يسيح في الأرض . ويقال : المسيح بمعنى الماسح ، كان يمسح وجه الأعمى فيبصر .

وقال الكلبي : المسيح الملك . ثم قال { وَجِيهاً } أي ذا جاه { في الدنيا والآخرة } له منزلة { في الآخرة } وقال مقاتل : فيها تقديم يعني وجيهاً في الدنيا { وَمِنَ المقربين } في الآخرة عند ربه . وقال الكلبي : { وَجِيهًا فِي الدنيا } يعني في أهل الدنيا بالمنزلة ، { وَفِي الآخرة مِنَ المقربين } في جنة عدن .