بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

{ فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي المحراب } قرأ حمزة والكسائي بالياء ، أي جبريل عليه السلام وإنما صار مذكراً على معنى الجنس ، كما يقال : فلان ركب السفن ، وإنما ركب سفينة واحدة ، وقرأ الباقون ، { فنادته } على معنى التأنيث ، لأن اللفظ لفظ الجماعة ، والمراد به أيضاً جبريل { إنَّ الله يُبَشّرُكَ بيحيى } قرأ حمزة وابن عامر : { إن الله يبشرك } ، بكسر الألف ، ومعناه : فنادته الملائكة . وقالوا له : إن الله يبشرك . وقرأ الباقون بالنصب ، ومعناه : فنادته الملائكة ، بأن الله يبشرك { بيحيى } قال مقاتل : اشتق اسمه من اسم الله تعالى ، والله تعالى حي ، فسماه الله تعالى يحيى ، ويقال : لأنه أحيا به رحم أمه . ويقال : لأنه حي به المجالس . ويقال غير ذلك { بيحيى } ، بأن الله يحييه ، فيكون حياً عند الله أبداً ، لأنه شهيد قال الله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] ثم قال تعالى : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله } يعني بعيسى عليه السلام وكان يحيى أول من صدق بعيسى عليهما السلام ، وهو ابن ثلاث سنين ، فشهد له أنه كلمة الله وروحه ، فلما شهد بذلك يحيى ، عجب بنو إسرائيل لصغره ، فلما شهد سمع زكريا شهادته ، فقام إلى عيسى ، فضمه إليه ، وهو في خرقه ، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث سنين . وقال بعضهم صدقه وهو في بطن أمه ، كانت أم يحيى عند مريم ، إذ سجد يحيى بالتحية لعيسى ، وكل واحد منهما كان في بطن أمه ، وذلك قوله { مصدقاً بكلمة من الله } { وَسَيّدًا } يعني حكيماً { وَحَصُورًا } يعني لا يأتي النساء ، وهو قول الكلبي . وقال سعيد بن جبير : السيد الذي يملك غضبه ، والحصور الذي لا يأتي النساء .

وقال مقاتل : يعني لا ماء له ، يعني أن يحيى لم يكن له ماء في الصلب . وقال بعضهم : هذا لا يصح ، لأن العنة عيب بالرجال ، والنبي لا يكن معيباً ، ولكن معناه أنه كان مانعاً نفسه من الشهوات ، لأن الذي يمنع نفسه من الشهوات مع قدرته ، كانت فضيلته أكثر من الذي لا قدرة له ، ثم قال تعالى : { وَنَبِيّا مّنَ الصالحين } يعني أن يحيى كان نبياً من الصالحين ، فلما بشره جبريل بذلك { قَالَ رَبّ أنى يَكُونُ لِي غلام } .