نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (8)

ولما كان ما تقدم عنهم من الأفعال ومضى من الأقوال مظنة لمعاجلتهم{[38871]} بالأخذ ، وكان الواقع أنه تعالى يعاملهم{[38872]} بالإمهال فضلاً منه وكرماً ، حكى مقالتهم في مقابلة رحمته لهم فقال : { ولئن أخرنا } أي{[38873]} بما لنا من العظمة التي لا يفوتها شيء { عنهم } أي الكفار { العذاب } أي المتوعد به { إلى أمة } أي مدة من الزمان ليس فيها كدر { معدودة } أي محصورة الأيام أي قصيرة معلومة عندنا حتى تعد{[38874]} الأنفاس { ليقولن } على سبيل التكرار { ما يحبسه } أي العذاب عن الوقوع استعجلاً له تكذيباً واستهزاء ، وهو تهديد لهم بأنه آتيهم عن قريب فليعتدوا لذلك .

ولما كان العاقل لا ينبغي أن يسأل عن مثل ذلك إلا بعد قدرته على الدفع ، أعرض عن جوابهم وذكر لهم أنهم عاجزون عن دفاعه عند إيقاعه إعلاماً بأنهم عكسوا في السؤال ، وتحقيقاً لأن ما استهزؤوا به لا حق بهم لا محالة ، فقال مؤكداً لشديد إنكارهم : { ألا يوم } وهو منصوب بخبر " ليس " الدال على جواز تقدم{[38875]} الخبر { يأتيهم{[38876]} ليس } أي العذاب { مصروفاً عنهم } أي بوجه من الوجوه ؛ وقدم الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد فقال{[38877]} : { وحاق بهم } أي أدركهم إذ ذاك على سبيل الإحاطة { ما كانوا } أي بجبلاتهم وسيء طبائعهم ، وقدم الظرف إشارة إلى شدة إقبالهم على الهزء به حتى كأنهم لا يهزؤون بغيره فقال : { به } ولما كان استعجالهم استهزاء ، وضع موضع يستعجلون{[38878]} قوله : { يستهزءون } أي يوجدون الهزء به إيجاداً عظيماً حتى كأنهم يطلبون ذلك .


[38871]:في ظ: لمعالجتهم.
[38872]:زيد بعده في ظ: معاملة.
[38873]:سقط من ظ.
[38874]:في ظ: بعد.
[38875]:سقط من ظ.
[38876]:زيد بعده في الأصل: أي العذاب، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[38877]:زيد من ظ.
[38878]:في ظ: يستهزون.