{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( 76 ) } .
ثم ذكر سبحانه مثلا ثانيا ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من النعم الدينية والدنيوية ، وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع ، فقال : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً } آخر أوضح مما قبله وأظهر منه ، { رَّجُلَيْنِ } ، بدل من مثل ، وتفسير له ، { أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ } ، أي : العيي المفحم ، وقيل : هو : الأقطع اللسان الذي لا يحسن الكلام ، وقيل : هو : الذي ولد أخرس ، فكل أبكم أخرس ، وليس كل أخرس أبكم ، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : أنه الذي لا يسمع ولا يبصر .
ثم وصف الأبكم فقال : { لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ } ، من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره ؛ لعدم فهمه ، وعدم قدرته على النطق ، وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل ، { وَهُوَ كَلٌّ } ، أي : ثقيل ، { عَلَى مَوْلاهُ } ، أي : على وليه وقرابته ، وعيال على من يلي أمره ويعوله ، ووبال على إخوانه ، وقد يسمى اليتيم كلا ؛ لثقله على من يكفله ، وفي هذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه ، بعد ذكر عدم قدرته على شيء مطلقا .
ثم وصفه بصفة رابعة فقال : { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ } ، أي : يرسله ويصرفه في طلب الحاجة ، أو كفاية المهم ، { لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } ، قط ؛ لأنه عاجز أخرس ، لا يفهم ولا يعقل ما يقال له ولا يمكنه أن يقول ، { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ } ، في نفسه مع هذه الأوصاف التي اتصف بها { وَمَن يَأْمُرُ } الناس { بِالْعَدْلِ } ، مع كونه في نفسه ينطق بما يريد النطق به ، ويفهم ويقدر على التصرف في الأشياء ، وهو سليم الحواس ، نفاع ذو كفاية ورشد وديانة ، { وَهُوَ } ، في نفسه { عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، أي : على دين قويم وسيرة صالحة ، ليس فيه ميل إلى أحد جانبي الإفراط والتفريط .
وإنما قابل الأوصاف الأول بهذين الوصفين المذكورين للآخر ؛ لأن حاصل أوصاف الأول عدم استحقاقه لشيء ، وحاصل وصفي هذا أنه مستحق أكمل استحقاق ، والمقصود : الاستدلال بعدم تساوي هذين الأمرين على امتناع التساوي بينه سبحانه وبين ما يجعلونه شريكا له ، قال ابن عباس : يعني بالأبكم : الكافر ، وبالآمر بالعدل : المؤمن .
وهذا المثل في الأعمال ، وعلى هذا تكون الآية على العموم في كل مؤمن وكافر ، وقيل : هي على الخصوص ، والذي يأمر بالعدل : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والأبكم : هو أبو جهل ، وقيل : الأبكم : أبي بن خلف ، والآمر بالعدل : حمزة وعثمان بن مظعون .
وقال ابن عباس : هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان ومولى له كافر ، وهو أسيد بن أبي العيص ، كان يكره الإسلام ، وكان عثمان ينفق عليه ويكلفه ويكفيه المؤونة ، وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف ، فنزلت فيهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.