فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكهف

مائة وإحدى عشرة آية

قال القرطبي : وهي مكية في قول جميع المفسرين ، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله جرزا والأول أصح وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) {[1]} .

وأخرج مسلم والبخاري وغيرهما عن البراء قال : قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفر فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( اقرأ فلان فإن السكينة نزلت للقرآن ) {[2]} وهذا الذي كان يقرأ هو أسيد بن حضير كما بينه الطبراني ، وفي قراءة العشر الآيات من أولها أو من آخرها أحاديث .

وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ سورة الكهف كانت له نورا من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ) {[3]} .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه و بين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أي الليل شاء قالوا : بلى يا رسول الله قال : سورة أصحاب الكهف ) أخرجه ابن مردويه{[4]} .

وأخرج أيضا عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( البيت الذي تقرأ فيه سورة الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة ) وفي الباب أحاديث وآثار وفيما أوردناه كفاية مغنية .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ( 1 ) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ( 2 ) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ( 3 ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( 4 ) } .

{ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } هل المراد الإعلام بذلك للإيمان به وتكون الجملة خبرية لفظا ومعنى أو الثناء به ، أي إنشاء الثناء بثبوت الحمد لله وتكون الجملة إنشائية لفظا ومعنى ، بمعنى أنها نقلت في العرف للإنشاء أو الإعلام والثناء كلاهما ، والجملة مستعملة في الخبر والإنشاء على طريق الجمع بين الحقيقة والمجاز ، احتمالات أفيدها الثالث .

وقال الشوكاني رحمه الله : علم عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم ، ووصفه بالموصول يشعر بعلية ما هو في حيز الصلة لما قبله ، ووجه كون إنزال الكتاب وهو القران نعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد وأحوال الملائكة والأنبياء وعلى كيفية الأحكام الشرعية التي تعبده الله وتعبد أمته بها ، وكذلك العباد كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم لمثل ما ذكرناه في النبي صلى الله عليه وسلم .

{ ولم يجعل له } أي فيه { عوجا } أي شيئا من العوج بنوع من أنواع الاختلال في اللفظ والمعنى ، والعوج بالكسر في المعاني ، أي فيما لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة ، وبالفتح في الأعيان أي فيما يدرك به ، كذا قيل ، ويرد عليه قوله سبحانه { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } يعني الجبال وهي من الأعيان .

قال الزجاج : المعنى لم يجعل فيه اختلافا كما قال : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه ، وقيل لم يجعله مخلوقا ، والجملة معطوفة على الصلة قبلها أو اعتراضية أو حالية .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[2]:- أين هذا الحديث: من رواه؟ من أخرجه؟ لم نجده في أي كتاب لدينا.
[3]:- الترمذي كتاب التفسير الباب الأول بلفظ: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.
[4]:- الترمذي كتاب العلم باب 4.