فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ( 110 ) }

ثم أراد سبحانه أن يعلم عباده كيفية الدعاء والخشوع فقال : { قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ } ومعناه أنهما مستويان في جواز الإطلاق وحسن الدعاء بهما ولهذا قال : { أَيًّا مَّا تَدْعُواْ } أصل الكلام أيا ما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله : { فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } للمبالغة وللدلالة على أنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان ، ومعنى حسن الأسماء استقلالها بنعوت الجلال والإكرام ذكر معنى هذا النيسابوري وتبعه أبو السعود .

قال الزجاج : أعلمهم الله أن دعاءهم الله ودعاءهم الرحمن يرجعان إلى قول واحد وسيأتي ذكر سبب نزول الآية وبه يتضح المراد منها ، والحسنى مؤنث الأحسن الذي هو أفعل تفضيل لا مؤنث أحسن المقابل لامرأة حسناء كما في القاموس ، عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ذات يوم فقال في دعائه : يا الله يا رحمن فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إليهن فأزل الله هذه الآية .

وعن إبراهيم النخعي قال : أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرحمن وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمن فنزلت الآية وهو مرسل وعن مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم فسمعه رجل من المشركين فلما أصبح قال لأصحابه : إن ابن أبي كبشة يدعو الرحمن الذي باليمن وكان رجل باليمن يقال له رحمن فنزلت .

ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } أي بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت لا من نعوت أفعال الصلاة فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء يقال خفت صوته خفوتا إذا انقطع كلامه وضعف وسكن وخفت الزرع إذا ذبل وخافت الرجل بقراءته إذا لم يرفع بها صوته .

وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها والأول أولى ؛ أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال : نزلت يعني هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوار فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { ولا تخافت بها } عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوا عنك الحديث{[1095]} .

وعن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض وكان عمر إذا قرأ جهر فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا فقال : أنا أناجي ربي وقد عرف حاجتي وقيل لعمر لم تصنع هذا قال : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزل : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت } قيل لأبي بكر ارفع شيئا ، وقيل لعمر اخفض شيئا ، وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت : إنما نزلت هذه الآية في الدعاء وعنها أنها نزلت في التشهد .

{ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } أي الجهر والمخافتة المدلول عليهما بالفعلين { سَبِيلاً } أي طريقا متوسطا بين الأمرين فلا تكن مجاهرا ولا مخافتا بها وعلى التفسير الثاني يكون معنى ذلك النهي عن الجهر بقراءة الصلوات كلها والنهي عن المخافتة بقراءة الصلوات كلها والأمر بجعل بعض منها مجهورا به وهو صلاة الليل والمخافتة بصلاة النهار وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } .


[1095]:مسلم 446 – البخاري 2020.