فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

{ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ( 97 ) }

ثم بين سبحانه أن الإقرار والإنكار مستندان إلى مشيئته فقال : { وَمَن يَهْدِ اللّهُ } أي من يرد الله هدايته { فَهُوَ الْمُهْتَدِ } إلى الحق أو إلى كل مطلوب وإفراد الضمير حملا على لفظ من { وَمَن يُضْلِلْ } أي يرد إضلاله { فَلَن تَجِدَ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يصلح له { لَهُمْ } جمع الضمير حملا على معنى من { أَوْلِيَاء } ينصرونهم ويهدونهم إلى الحق الذي أضلهم الله عنه أو إلى طريق النجاة { مِن دُونِهِ } أي من دون الله سبحانه .

{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ماشين { عَلَى وُجُوهِهِمْ } هذا الحشر فيه وجهان للمفسرين :

الأول : أنه عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم من قول العرب قد مر القوم على وجوههم إذا أسرعوا .

الثاني : أنهم يسبحون يوم القيامة على وجوههم حقيقة كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه ، وهذا هو الصحيح لقوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } .

ولما صح في السنة فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال : قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم قال : ( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم } ( 1 ) {[1090]} .

وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة وصنف ركبانا وصنف على وجوههم ، قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم ، قال : ( إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك ) ( 2 ) {[1091]} والحدب ما ارتفع من الأرض وفي الباب أحاديث .

{ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا } النصب على الحال والأبكم الذي لا ينطق ، والأصم الذي لا يسمع أي لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون ، وهذه هيئة يبعثون عليها في أقبح صورة وأشنع منظر ، قد جمع الله لهم بين عمى البصر وعدم النطق وعدم السمع مع كونهم مسحوبين على وجوههم ، وقد أثبت الله تعالى لهم الرؤية والكلام والسمع في قوله : { ورأى المجرمون النار } وقوله : { دعوا هنالك ثبورا } وقوله : { سمعوا لها تغيظا وزفرا } .

فالمعنى هنا عميا لا يبصرون ما يسرهم بكما لا ينطقون بحجة صما لا يسمعون ما يلذ مسامعهم وقيل هذا حين يقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون وقيل يحشون على ما وصفهم الله ثم تعاد إليهم هذه الأشياء بعد ذلك ثم من وراء ذلك { مَّأْوَاهُمْ } أي المكان الذي يأوون إليه { جَهَنَّمُ } مستأنفة أو حال من الضمير ، قال ابن عباس : يعني أنهم وقودها .

{ كُلَّمَا خَبَتْ } أي سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم ، يقال خبت النار تخبو خبوا إذا خمدت وسكن لهبها زاد السمين فإذا ضعف جمرها خمدت فإذا طفئت بالجملة قيل همدت ، وكلاهما من باب قعد ، قال ابن قتيبة : معنى { زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } تسعرا وهو التلهب والتوقد أي فتعود ملتهبة ومتسعرة فإنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء .

وقد قيل أن في خبو النار تخفيفا لعذاب أهلها ، فكيف يجمع بينه وبين قوله : { لا يخفف عنهم العذاب } وأجيب بأن المراد بعدم التخفيف أنه لا يتخلل زمان محسوس بين الخبو والتسعر ، وقيل ضعفت وهدأت من غير أن يوجد نقصان في إيلامهم ، لأن الله تعالى قال : { لا يفتر عنهم } وقيل معناه أرادت أن تخبو ، وقيل معناه كلما نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا إلى ما كانوا عليه وزيد في سعير النار لتحرقهم .


[1090]:مسلم 2806 بلفظ: (أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة) البخاري 2028.
[1091]:الترمذي تفسير سورة 17 / 3 – الإمام أحمد 2 / 354.